الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

الرسول صلى الله عليه وسلم .. وحده الأسوة الحسنة

وعلى طريق حمل هـذا الدين والقيام بأمره.. هـناك حقيقة على غاية من الأهمية، كانت ولا زالت معلمة من معالم التفكير الإسلامي والثقافة الإسلامية، وكانت دائما ملازمة للحياة الإسلامية ليصح التصور وينضبط السلوك، وهي: أنه لا يجوز أن يعتمد أحد كائنا من كان معيارا للحق أو أن يظن أنه أعلى من أن يناله أحد بالنقد أو يجد فيه مأخذا، كما أنه لا يجوز لأحد أن يخضع لآخر عقليا أو فكريا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) (الأحزاب: 21) .

إن المقياس الإلهي المجرد الذي تجسم في حياة الرسول وسيرته هـو المقياس الذي يوزن به الأشخاص ويأخذ كل إنسان حقه ومكانه من هـذا المقياس الذي يستحقه.

ومن هـنا فالالتزام إنما يكون دائما وأبدا بالمنهج الإسلامي، بالفكرة، بما شرعه الله لنا، وليس الالتزام بالأشخاص، أو التنظيمات، أو الجماعات، أو الحكومات التي هـي دائما محل للخطأ والصواب.

والكارثة والخلل والأمراض والعلل تتسلل إلى الحياة الإسلامية من خلال العدول عن هـذا المقياس، أو محاولة استلابه من يد الإنسان المسلم، ومن ثم [ ص: 21 ] تكون العصمة الكاذبة التي تخلع على بعض الأشخاص، والمبررات المضحكة التي توضع لتصرفاتهم وأخطائهم، وهذا بدء مرحلة السقوط حيث تبدأ عملية تخديم الأهداف والقيم لا خدمتها، وقد يكون هـذا من طبيعة البشر عندما تسيطر عليهم فترات الضعف، أو تستبد بهم حالات اليأس، أو تمارس عمليات الإرهاب الفكري أو الفساد السياسي، فتفصل الأحكام على الأشخاص، وتؤصل الحيل الشرعية حتى يصبح لها مؤلفات، وتنمو طبقة فقهاء السلطان، سواء أكان سلطان المال أم الحكم أم الجاه، وتئول الأحاديث والآيات على مقتضى الأهواء.

ولا يجوز أن يظن أحد أن الدعوة إلى التزام المنهج مقياسا وميزانا للحق والباطل، وعدم الالتزام بالأشخاص الذين يخطئون ويصيبون ارتداد إلى الفردية، وبعثرة للجهود، وابتعاد عن جماعة المسلمين كافة، فهذا ليس من الأمور الاختيارية بالنسبة للمسلم. وإنما هـو في حقيقته تصويب لمسيرة حياة المسلمين الجماعية وإلغاء للقطاعات البشرية من حياة الناس والتزام بالإسلام الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( .. ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وافترقا عليه ) فالاجتماع على المنهج وليس على الأشخاص والافتراق أيضا على المنهج وليس على الأشخاص. إلا في حالة العمى العقلي وعدم الإبصار الصحيح بسبب التعصب لفئة أو شخص أو عرق أو قوم في حالة عدم وجود العزمة الأكيدة على الالتزام بهذا الدين.

التالي السابق


الخدمات العلمية