الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

الهجرة من دار الإسلام

دار الإسلام ودار الحرب أو دار الكفر قضية اصطلحها الفقهاء المسلمون لتقرير بعض الأحكام وللتمييز بين موطنين: موطن تسود فيه شريعة الإسلام، وتنفذ أحكامه وتحد حدوده وترفع شعائره وتعتمد تربيته، وتسود فيه قيم العدل في القضاء، والشورى في الحكم، والحرية في المعتقد، والإحسان في التعامل.. مجتمع، خلص الناس فيه من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. أما دار الحرب فهي كل وطن لا تسوده شريعة الله ولا تنفذ فيه أحكامه أو هـو بكلمة مختصرة نقيض دار الإسلام.

وقد حذر الفقهاء - من باب سد الذرائع - ولأسباب رأوها في زمانهم من الهجرة إلى دار الحرب أو دار الكفر؛ لما يمكن أن يقع فيه المسلم من الفتنة في دينه والظلم في دنياه، وأفردوا لذلك أحكاما معروفة في مكانها من الكتب، وقد يكون المطلوب الآخر أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في جميع هـذه الأحكام، المبنية على النظر والاجتهاد والأحوال والمشاهدات القائمة وقتها، وذلك لعدة أسباب لسنا الآن بسبيل استقصائها وإنما يهمنا لفت النظر إليها.

إن دار الحرب أو دار الكفر إنما تتحدد خارطتها على ضوء وجود دار الإسلام ووضوح حدودها، ونحن الآن لا نجرؤ على نفي الإسلام عن بلاد العالم الإسلامي كما يحلو لبعضهم، ولكننا لا نستطيع أيضا أن نقول بأنها دار الإسلام المستكملة للشروط التي وضعها الفقهاء، إنها ليست دار الإسلام بكل معنى الكلمة.. لكنها ليست دار كفر وحرب وجاهلية كما يحب بعض من يدعو للإسلام أن يتعامل معها أو يصورها.. إنها ليست دار الإسلام بشروطها إنما هـي ديار المسلمين على كل حال التي أصابها ما أصابها تاريخيا. [ ص: 132 ]

إن هـذه الأحكام التي قررها الفقهاء قد تكون إلى حد بعيد مرتبطة بجو الحرية الذي من المفروض أن يتوفر في دار الإسلام وينعدم في دار الحرب والكفر، وقدرة المسلم على ممارسة الشعائر الإسلامية ونشر الدعوة والتحصن ضد الفتنة، وفي اعتقادنا أن الأمر قد تغير الآن كما أسلفنا، إن كثيرا من البلاد التي لا يمكن أن توصف بأنها إسلامية يجد فيها الإنسان نوعا من الحرية والأمن قد يفتقدها في موطنه، ويستطيع أن يمارس فيه إسلامه على شكل قد لا يتوفر له في بلده، لقد تغيرت الصورة وتغير الواقع، وانتشرت المراكز والجمعيات الإسلامية في العالم كله والتي نرجو الله أن تؤدي رسالتها على الوجه المطلوب، فلا بد والحالة هـذه من إعادة النظر في هـذه الأحكام الفقهية المبنية على الاجتهاد. والرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( اخرجوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم الناس عنده ) .

لقد سمح بالهجرة وأمر بالخروج من مكة إلى الحبشة لما اشتد الظلم، وليست الحبشة دار الإسلام وإنما العدل وعدم الظلم متحقق فيها.

التالي السابق


الخدمات العلمية