الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

معالم الحياة الإسلامية

في السنة التاسعة للهجرة، حج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحج معه خلق كثير، وكانت حجة الوداع التي نزل فيها قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (المائدة: 3) ، وكان الكمال والاكتمال، وبعد أن اكتمل البناء فإن المعاني التي ذكر بها وعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم في هـذه الحجة غاية من الأهمية، فهي المعالم الرئيسة للحياة الإسلامية التي لا بد من حراستها والتنبه لها حتى لا يتآكل المجتمع من الداخل، والنص الذي ورد في كتب السيرة لخطبة الوداع لا يخرج بمجموعه عما يلي: ( .. إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هـذا، في شهركم هـذا، في بلدكم هـذا.. إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، فإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هـذيل، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهم بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمته، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما إن لا تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله؛ وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس، ويقول اللهم اشهد، ثلاث مرات [ ص: 194 ] إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، وقال: أي شهر هـذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟ فقلنا: بلى. قال: أي بلد هـذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس البلد الحرام؟ قلنا: بلى: قال: فأي يوم هـذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هـذا في بلدكم هـذا، في شهركم هـذا؛ وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض؛ ألا هـل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع .... )

( واعلموا أن الصدور لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع.. قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله )

إن مجموع القضايا التي عرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم في هـذه الخطبة، في حجة الوداع، تشكل المرتكزات الأساسية يقوم عليها المجتمع الإسلامي، والتي لا بد من حراستها وعدم السماح بخرقها والخروج عليها من الحاكم والمحكوم، والأمر الذي لا يحتاج إلى أن هـذه المرتكزات هـي التي انتهى إليها المجتمع المسلم وتربى فلا يجوز التفريط فيها.. وتأتي أهميتها في أنها (خطبة المودع) الذي حمل الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، ورعى مسيرتها ثلاثة وعشرين عاما..

لقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم هـذه المعاني من خلال مسيرة النبوة الطويلة ليؤكد عليها، وينبه لها دون سواها، فلماذا هـذه المعاني دون غيرها؟ ذلك لأن عدم التزامها يؤدي إلى دمار المجتمع، ولا يعوزنا الدليل - نحن المسلمين - في القرن الخامس عشر الهجري نرى السقوط بأم أعيننا.. [ ص: 195 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية