الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

مسلم عصر التخلف

فالحج بالنسبة للمسلم فريضة العمر، وهو الحياة على أرض النبوة نفسها، وإقامة المناسك نفسها أيضا، والذي لا بد من الاعتراف به أن العبادات في عصور التخلف والوهن تنقلب إلى عادات ذات رسوم وأشكال تحكمها الآلية والتكرار وتنعدم فاعليتها لتصبح خالية من أي معنى، حتى إن بعضهم صار يتساءل عن جدواها لأنه لا يشعر بأي تبدل في موقعه قبل أدائها وبعده، أو في مواقع كثير من الذين يؤدونها..

كما أن القيم في عصور التخلف والوهن أيضا تنقلب إلى شعارات تعلو بها الأصوات، وتسقط معها الهمم، وتخبو قدرات التغيير، ويظن معها أن حل المشكلات يستدعي مزيدا من الصراخ والعويل والاحتجاج، فيتوقف الفعل ويعم الانفعال، وتحصل حالة من فقدان التوازن الديني فيستغرق الناس في صور من العبادات تشكل لهم مهارب نفسية هـي أقرب إلى البدع والخرافات منها إلى الدين بصفائه ونقائه وعطائه وفاعليته.

وقد تزداد الأمور سوءا، فيمارس مسلم عصر التخلف فصل الحياة عن [ ص: 192 ] الدين عمليا، ولو لم يعترف بذلك، فإما أن يهرب من الحياة إلى لون من العبادة والذكر يظنها البداية والنهاية، وتتضخم عنده بعض التصورات فلا يرى سواها، ويقوم سلوك الناس على ضوئها، وإما أن يمارس الحياة ممارسة عادية كسائر الناس الذين لا صلة لهم بالإسلام، ويعقد عن سائر واجباته، ولا يختلف في معاملاته عن غيره، ويظن أنه يكفر عن ذلك بصيام نفل، أو بتكرار حج، أو بمتابعة تلاوة أو حلقة ذكر، يتساهل بحماية الثغر الذي أقامه الله عليه، وقد يدع إتقان العمل وممارسة التفوق في الاختصاص، وأداء حقوق الناس إلى صور من التدين يختارها هـو..

إنه الاطمئنان الخادع، والتدين المغشوش، وعدم الاستشعار بالمسئولية، وفقدان التوازن الديني، إن صح التعبير، وغياب التوتر الإيماني والقلق السوي الذي يصوب المسار، وتبدأ عملية تفسير النصوص الإسلامية والتعامل معها من خلال هـذه المواقع المتخلفة؛ ويمتلك الإنسان العجب، ألسنا نصلي كما كان الصحابة يصلون، ونصوم كما يصومون ونحج كما يحجون؟! أليس هـذا هـو القرآن الذي نزل على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع منهم ما صنع؟!

إن القرآن هـو القرآن، لكن الفهم غير الفهم، والاستجابة غير الاستجابة، والتلقي غير ذاك التلقي.. إن العلل الفكرية وإصابة عالم الأفكار لا تغني عنه بعض صور العبادة بما في ذلك تكرار الحج، إذا لم يترافق ذلك مع عمليات الاختبار لصحة الموقع وتصويب المسار، إنه الخلط بين حقوق الله التي تكفر بالتوبة والعبادة وحقول الناس التي لا بد من أدائها.. وقد تكون قضية الانفلات من عصر التخلف، وطي مرحلة التخلف، وإلغاء مفهوم عصر التخلف، والتلقي المباشر عن القيم الأصلية، عملية صعبة على إنسان هـذا العصر، لكنه الأمر الذي لا بد منه عاجلا أم آجلا..

إن الآيات البينات في رحلة الحج، وأداء مناسكه كثيرة، وكثيرة جدا، ولا بد للمسلمين من وعيها وإدراكها، وإن كان جهل بعض مسلمي اليوم الذين يتعلمون أحكام الحج وينسون آدابه - حتى يقع بعضهم في ارتكاب المحرم لاستدراك مندوب أو مستحب - لا يعطي الفرصة لإبصارها واستشعارها في كثير من الأحيان. [ ص: 193 ]

ولعل من أهم معالم رحلة الحج إلى جانب أداء المناسك العبادية، تلك المعاني الجامعة التي خاطب بها الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حجة الوداع ، فطلب إليهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.. أفلا يحق لنا بهذه المناسبة أن نقوم بواجب عملية البلاغ التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مسئولية كل مسلم بقدر وسعه، فنذكر المسلمين حجاجا وغير حجاج بهذه الأمور.. ذلك أن الحج كان موسمها، وكان الوعاء لكثير من المعاني وكثير من الأعمال التي شكلت منعطفات في تاريخ البشرية..

التالي السابق


الخدمات العلمية