الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

نظرات في مسيرة العمل الإسلامي

عمر عبيد حسنة

احتلال عالم الأفكار

ويذهب المتخصصون من العلماء والـباحثين والمفكرين والمنظرين إلى معسكرات الاعتقال (معسكر أنصار) ويبدءون دراسة على الشباب الفلسطيني المعتقل لتوظيفها كمعلومات توضح في حساب المخططين للمنطقة، وفي مقدمة الأسئلة طبعا: ورصد التوجه الإسلامي، ورأيهم في الإسلام ومدى [ ص: 188 ] اقتناعهم به؛ أما ممارساتها في جامعات الأرض المحتلة، والمناهج التي تعتمد تاريخ الفتن في الأمة الإسلامية فبات أمرا معروفا..

إن الواقع النفسي اليوم يختلف عنه في معاركنا السابقة جميعا، ونحن هـنا لا نريد أن نعيد ما قيل في أعقاب هـزيمة عام 1967م : من أن إسرائيل لم تحقق أهدافها من الغزو حيث احتلت الأرض ولم تحتل الإرادة، ولم تسقط الأنظمة في ذلك الوقت!! وإنما من الأمور التي أصبحت حقيقة تاريخية أنه إذا سلم للأمة عالم أفكارها وثقافتها، فقد سلم لها كل شيء على المدى البعيد مهما كانت الضربات موجعة، والهزائم العسكرية منكرة، ومهما انتقص العدو من أرضها ومالها وأشيائها، صحيح أن الأشياء تأتي ثمرة لوجود الأفكار وحصيلة لها، وأن عالم الثقافة والأفكار إذا كان سليما معافى يحول دون انتقاص الأشياء، وأن قدرة العدو على انتقاص الأشياء واحتلال الأرض يعني فيما يعني الخلل والضمور والغياب أو التمزق في عالم الأفكار.. وأن الاحتلال والاستعمار لا يكون إلا بوجود القابلية له والاستعداد لاستقباله، وأن الوسيلة الوحيدة لمواجهته إنما تكون باستشعار التحدي وإيقاظ عالم الأفكار، وإعادة بنائه..

لذلك نستطيع أن نقول: إن أعداء الأمة من يهود وغيرهم فكروا بالموقع الآخر، وهو احتلال عالم الأفكار.. وقد يحال بين الأمة واستخدام قوتها في المواجهة بسبب من عجز أو تمزق أو عدم وجود قيادات قادرة على تجميع الطاقات وحسن استخدام الإمكانات، وعدم وضعها في الزمان والمكان المناسب، فلا يبقى لها والحالة هـذه، إلا الاعتصام وحماية عالم أفكارها حتى تتاح لها فرصة استرداد الأرض والتخلص من آثار العدوان.

من هـنا نستطيع أن نقول: لا بد أن تدرك الجماهير المسلمة - وقد تكون هـذه التوعية مهمة القيادات الفكرية في العالم الإسلامي - خطر التهويد الثقافي وآثاره البعيدة على الأمة، في الوقت الذي حيل بينها وبين المعركة، ونجح عدوها في إبعاد الإسلام عن أرض المعركة في هـذه المرحلة بالذات.. الأمر الذي لم يعد خافيا على أحد، لأن استمرار العدوان مرهون بإبعاد الإسلام.

إن مهمة الجماهير المسلمة ومسئوليتها تتوحد الآن بإقامة الدفاعات [ ص: 189 ] الفكرية، والتحصين الثقافي، وحماية الأمة من التذويب والذوبان، وعزل الهزيمة العسكرية وتهميشها وتحجيمها للحيلولة دون بلوغها هـدفها ومرماها بأقل قدر ممكن من الضحايا، وفي تاريخ المسلمين الوقائع الكثيرة التي هـزم فيها المسلمون عسكريا وبقي الإسلام ثقافة وحضارة وعلما ودرعا واقية.

وما تجربة الشيخ عبد الحميد بن باديس ، وهي من أحدث التجارب تقريبا، وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر عنا ببعيد، فلقد دخلت فرنسا الجزائر مستعمرة منصرة مفرنسة، واستمر احتلالها أكثر من مائة وثلاثين عاما، تعتبر الجزائر قطعة منها وتطبق عليها القوانين الفرنسية، ومناهج التعليم الفرنسية، وتحاول إلغاء عروبة الجزائر وإسلامها، وكانت المواجهة مع كتاتيب (ابن باديس) في السهول والجبال والقرى والمدن، هـي التي حمت عربية الجزائر وإسلامها بعد ستة أجيال نشأت في ظل الغزو الثقافي والاحتلال العسكري تقريبا.. فهل ندرك الحقيقة، ونلتزم بالإسلام، ونستشعر المسئولية، ونؤدي الواجب، ونحول دون الهزيمة النفسية، والغزو الثقافي، والسقوط الحضاري؟!!..

[جمادى الأولى: 1403هـ- شباط (فبراير) : 1983] [ ص: 190 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية