الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الحكم الثالث ، أن الصداق إذا زاد بعد العقد ، لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة ، كعبد يكبر أو [ ص: 175 ] يتعلم صناعة أو يسمن ، أو متميزة ، كالولد والكسب والثمرة ، فإن كانت متميزة أخذت الزيادة ، ورجع بنصف الأصل ، وإن كانت غير متميزة ، فالخيرة إليها ، إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد ; لأن الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها ، فصرنا إلى نصف القيمة ، وإن شاءت دفعت إليه نصفا زائدا ، فيلزمه قبوله ; لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز ، فإن كان محجورا عليها ، لم يكن لها الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ، ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشيء لا يجب عليها .

                                                                                                                                            وإن نقص الصداق بعد العقد ، فهو من ضمانها ، ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز ، فإن كان متميزا ، كعبدين تلف أحدهما ، فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف ، أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال ، وإن لم يكن متميزا ، كعبد كان شابا فصار شيخا ، فنقصت قيمته ، أو نسي ما كان يحسن من صناعة أو كتابة ، أو هزل ، فالخيار إلى الزوج ، إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها ; لأن ضمان النقص عليها ، فلا يلزمه أخذ نصفه ; لأنه دون حقه ، وإن شاء رجع بنصفه ناقصا ، فتجبر المرأة على ذلك ، لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا ، وإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا ، لم يكن له هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء . وقال القاضي : القياس أن له ذلك ، كالمبيع يمسكه ويطالب بالأرش .

                                                                                                                                            وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة ، والشافعي وقال محمد بن الحسن : الزيادة غير المتميزة تابعة للعين ، فله الرجوع فيها ; لأنها تتبع في الفسوخ ، فأشبهت زيادة السوق . ولنا أنها زيادة حدثت في ملكها ، فلم تنصف بالطلاق ، كالمتميزة ، وأما زيادة السوق فليست ملكه ، وفارق نماء المبيع ، لأن سبب الفسخ العيب ، وهو سابق على الزيادة ، وسبب تنصيف المهر الطلاق ، وهو حادث بعدها ، ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ، ولهذا لو وجدها ناقصة ، كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ، بخلاف المبيع المعيب ، والمفروض لم يكن سمينا ، فلم يكن له أخذه ، والمبيع تعلق حقه بعينه ، فتبعه ثمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه ، مثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى ، أو هزل وتعلم ، ثبت الخيار لكل واحد منهما ، وكان له الامتناع من العين والرجوع إلى القيمة .

                                                                                                                                            فإن اتفقا على نصف العين جاز ، وإن امتنعت المرأة من بذل نصفها ، فلها ذلك لأجل الزيادة ، وإن امتنع هو من الرجوع في نصفها ، فله ذلك لأجل النقص ، وإذا امتنع أحدهما ، رجع في نصف قيمتها .

                                                                                                                                            ( 5585 ) فصل : فإن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال ، رجع في نصف مثلها ، وإلا رجع في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو إلى حين التمكين منه ، على ما ذكرنا من الاختلاف ; لأن العين إن زادت ، فالزيادة لها تختص بها ، وإن نقصت قبل ذلك ، فالنقص من ضمانه . وإن طلقها قبل قبض الصداق وقبل الدخول ، وقد زادت زيادة منفصلة ، فهي لها ، تنفرد بها ، وتأخذ نصف الأصل . وإن كانت الزيادة متصلة ، فلها الخيار بين أن تأخذ النصف ويبقى له النصف ، وبين أن تأخذ الكل وتدفع [ ص: 176 ] إليه قيمة النصف غير زائدة . وإن كان ناقصا ، فلها الخيار بين أخذه ناقصا وبين مطالبته بنصف قيمته غير ناقص .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية