الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5952 ) فصل : وهذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها ، لم تحتج إلى حرف في الجزاء ، كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار . وإن تأخر جزاؤها ، احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدإ وخبر ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق . وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب ، فتربط بين الجزاء وشرطه ، وتدل على تعقيبه به . فإن قال : إن دخلت الدار أنت طالق . لم تطلق حتى تدخل . وبه قال بعض الشافعية ، وقال محمد بن الحسن : تطلق في الحال ; لأنه لم يعلقه بدخول الدار ، لأنه إنما يعلق بالفاء ، وهذه لا فاء فيها ، فيكون كلاما مستأنفا غير معلق بشرط ، فيثبت حكمه في الحال .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أتي بحرف الشرط ، فيدل ذلك على أنه أراد التعليق به ، وإنما حذف الفاء وهي مرادة ، كما يحذف المبتدأ تارة ، ويحذف الخبر أخرى ، لدلالة باقي الكلام على المحذوف ، ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير ، فكأنه أراد : أنت طالق إن دخلت الدار . فقدم الشرط ، ومراده التأخير ، ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة ، وتصحيحه عن الفساد ، وجب ، وفيما ذكرنا تصحيحه ، وفيما ذكروه إلغاؤه . وإن قال : أردت الإيقاع في الحال . وقع [ ص: 344 ] لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ .

                                                                                                                                            وإن قال : أنت طالق وإن دخلت الدار . وقع الطلاق في الحال ; لأن معناه أنت طالق في كل حال ، ولا يمنع من ذلك دخولك الدار ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى ، وإن سرق " . وقال : " صلهم وإن قطعوك ، وأعطهم وإن حرموك " . وإن قال : أردت الشرط ، دين . وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين . فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى . فمتى دخلت الأولى طلقت ، سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ، ولا تطلق بدخول الأخرى . وقال ابن الصباغ : تطلق بدخول كل واحدة منهما . وقد ذكرنا أن مقتضي اللغة ما قلناه .

                                                                                                                                            وإن قال : أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا . طلقت بكل واحد منهما ; لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ . وإن قال : أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية ، فهو على ما أراده . وإن قال : أنت طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الأخرى . طلقت بدخول إحداهما ; لأنه عطف شرطا على شرط . فإن قال : أردت أن دخول الثانية يمنع وقوع الطلاق . قبل منه ; لأنه محتمل ، وطلقت بدخول الأولى وحدها . وإن قال : إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق . فقد قيل : لا تطلق إلا بدخولهما ; لأنه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين .

                                                                                                                                            ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان ; لأنه ذكر شرطين بحرفين ، فيقتضي كل واحد منهما جزاء ، فترك ذكر جزاء الأول ، وكان الجزاء الآخر دالا عليه ، كما لو قال : ضربت وضربني زيد . قال الفرزدق :

                                                                                                                                            ولكن نصفا لو سببت وسبني بنو عبد شمس من قريش ، وهاشم

                                                                                                                                            والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم . وقال الله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } . أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد . وإن قال : إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت ; لأن الواو ليست للجزاء ، وقد تكون للابتداء . فإن قال : أردت بها الجزاء . أو قال : أردت أن أجعل دخولها في حال كونها طالقا شرطا لشيء ، ثم أمسكت . دين .

                                                                                                                                            وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين . وإن جعل لهذا جزاء ، فقال : إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر . صح ، ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار . وهي طالق ; لأن الواو هاهنا للحال ، كقول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . وقوله : { فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } . ولو قال : أنت طالق إن دخلت الدار طالقا . فدخلت وهي طالق ، طلقت أخرى ، وإن دخلتها غير طالق ، لم تطلق ; لأن هذا حال ، فجرى مجرى قوله : أنت طالق إن دخلت الدار راكبة . وإن قال : أنت طالق لو قمت . كان ذلك شرطا بمنزلة قوله : إن قمت .

                                                                                                                                            وهذا يحكى عن أبي يوسف ، ولأنها لو لم تكن للشرط كانت لغوا ، والأصل اعتبار كلام المكلف . وقيل : يقع الطلاق في الحال . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ; لأنها بعد الإثبات تستعمل لغير المنع ، كقوله تعالى : { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } ، { ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون } . وإن قال : أردت أن أجعل [ ص: 345 ] لها جوابا . دين . وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية