( 6235 ) فصل : ; لأنه قول تحصل به الفرقة ، ولا يصح من غير مكلف ، كالطلاق ، أو يمين ، فلا تصح من غير المكلف ، كسائر الأيمان . ولا يخلو غير المكلف من أن يكون الزوج ، أو الزوجة ، أو هما ; فإن كان الزوج فله حالان : أحدهما ، أن يكون طفلا . والثاني ، أن يكون بالغا زائل العقل . فإن كان طفلا لم يصح منه القذف ، ولا يلزمه به حد ; لأن القلم مرفوع عنه ، وقوله غير معتبر ، وإن أتت امرأته بولد نظرنا ، [ ص: 42 ] فإن كان لدون عشر سنين ، لم يلحقه الولد ، ويكون منفيا عنه ; لأن العلم يحيط بأنه ليس منه ، فإن الله عز وجل لم يجر العادة بأن يولد له لدون ذلك ، فينتفي عنه ، كما لو أتت به المرأة لدون ستة أشهر منذ تزوجها . وإن كان ابن عشر فصاعدا ، فقال فإن كان أحد الزوجين غير مكلف ، فلا لعان بينهما أبو بكر : لا يلحق به إلا بعد البلوغ أيضا ; لأن الولد لا يخلق إلا من ماء الرجل والمرأة ، ولو أنزل لبلغ .
وقال ابن حامد : يلحق به . قال : وهو ظاهر كلام القاضي . وهذا مذهب أحمد ; لأن الولد يلحق بالإمكان ، وإن خالف الظاهر ، ولهذا الشافعي ، وإن كان خلاف الظاهر ، وكذلك يلحق به إذا أتت به لأربع سنين ، مع ندرته . وليس له نفيه في الحال ، حتى يتحقق بلوغه بأحد أسباب البلوغ ، فله نفي الولد واستلحاقه . فإن قيل : فإذا ألحقتم به الولد ، فقد حكمتم ببلوغه ، فهلا سمعتم نفيه ولعانه ؟ قلنا : إلحاق الولد يكفي فيه الإمكان ، والبلوغ لا يثبت إلا بسبب ظاهر ، ولأن إلحاق الولد به حق عليه ، واللعان حق له ، فلم يثبت مع الشك . فإن قيل : فإن لم يكن بالغا انتفى عنه الولد ، وإن كان بالغا انتفى عنه اللعان . لو أتت بولد لستة أشهر من حين العقد ، لحق بالزوج
قلنا : إلا أنه لا يجوز أن يبتدئ اليمين مع الشك في صحتها ، فسقطت للشك فيها . الثاني ، ; لأن القلم عنه مرفوع أيضا ، إذا كان زائل العقل لجنون ، فلا حكم لقذفه ، لإمكانه ، ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله ، فإذا عقل ، فله نفي الولد حينئذ واستلحاقه . وإن أتت امرأته بولد ، فنسبه لاحق به ، ثبت قوله . وإن لم يكن لواحد منهما بينة ، ولم يكن له حالة علم فيها زوال عقله ، فالقول قولها مع يمينها ; لأن الأصل والظاهر الصحة والسلامة . وإن عرفت له حالة جنون ، ولم تعرف له حالة إفاقة ، فالقول قوله مع يمينه ، وإن عرفت له حالة جنون وحالة إفاقة ، ففيه وجهان : أحدهما ، القول قولها . وإن ادعى أنه كان ذاهب العقل حين قذفه ، وأنكرت ذلك ، ولأحدهما بينة بما قال
قال : هذا قياس قول أصحابنا في الملفوف إذا ضربه فقده ، ثم ادعى أنه كان ميتا ، وقال الولي : كان حيا . والوجه الثاني ، أن القول قوله ; لأن الأصل براءة ذمته من الحد ، فلا يجب بالشك ، ولأن الحد يسقط بالشبهة ، ولا يشبه هذا الملفوف ، لأن الملفوف قد علم أنه كان حيا ، ولم يعلم منه ضد ذلك ، فنظيره في مسألتنا أنه يعرف له حالة إفاقة ، ولا يعلم منه ضدها ، وفي مسألتنا قد تقدم له حالة جنون ، فيجوز أن تكون قد استمرت إلى حين قذفه . وأما القاضي ; نظرنا ، فإن كانت طفلة لا يجامع مثلها ، فلا حد على قاذفها ; لأنه قول يتيقن كذبه فيه ، وبراءة عرضها منه ، فلم يجب به حد كما لو قال : أهل الدنيا زناة . ولكنه يعزر للسب ، لا للقذف ، ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة ; لأنه مشروع لتأديبه ، وللإمام فعله إذا رأى ذلك . إن كانت الزوجة غير مكلفة ، فقذفها الزوج
فإن كانت يجامع مثلها ، كابنة تسع سنين ، فعليه الحد ، وليس لوليها ولا لها المطالبة به حتى تبلغ ، فإذا بلغت فطالبت ، فلها الحد ، وله إسقاطه باللعان ، وليس له لعانها قبل البلوغ ; لأن اللعان يراد لإسقاط الحد أو نفي الولد ، ولا حد عليه قبل بلوغها ، ولا ولد فينفيه ، فإن أتت بولد حكم ببلوغها ; لأن الحمل أحد أسباب البلوغ ، ولأنه لا يكون إلا من نطفتها ، فمن ضرورته إنزالها ، وهو من أسباب بلوغها . ، لم يكن لها المطالبة ، ولا لوليها قبل إفاقتها ; لأن هذا طريقه التشفي ، فلا ينوب عنه الولي فيه ، كالقصاص ، فإذا أفاقت فلها المطالبة بالحد ، [ ص: 43 ] وللزوج إسقاطه باللعان ، وإن وإن قذف امرأته المجنونة بزنا أضافه إلى حال إفاقتها ، أو قذفها وهي عاقلة ، ثم حنث ، لم يكن له ذلك ; لعدم الحاجة إليه ، لأنه لم يتوجه عليه حد فيسقطه ، ولا نسب فينفيه . أراد لعانها في حال جنونها ، ولا ولد ينفيه
وإن كان هناك ولد يريد نفيه ، فالذي يقتضيه المذهب أنه لا يلاعن ، ويلحقه الولد ; لأن الولد إنما ينتفي باللعان من الزوجين ، وهذه لا يصح منها لعان وقد نص ، في الخرساء ، أن زوجها لا يلاعن . فهذه أولى . وقال أحمد في العاقلة : لا يعرض له حتى تطالبه زوجته . وهذا قول أصحاب الرأي ; لأنها أحد الزوجين ، فلم يشرع اللعان مع جنونه ، كالزوج ، ولأن لعان الزوج وحده لا ينتفي به الولد ، فلا فائدة في مشروعيته . وقال الخرقي : له أن يلاعن لنفي الولد ; لأنه محتاج إلى نفيه ، فشرع له طريق إلى نفيه . وقال القاضي : له أن يلاعن . وظاهر مذهبه أن له لعانها مع عدم الولد ، لدخوله في عموم قوله تعالى : { الشافعي والذين يرمون أزواجهم } .
ولأنه زوج مكلف ، قاذف لامرأته ، التي يولد لمثلها ، فكان له أن يلاعنها ، كما لو كانت عاقلة .