ص ( وإن استحق معين سك بعد مفارقة أو طول أو مصوغ مطلقا نقض )
ش : يعني أن ، أي سواء كان استحقاقه بحضرة العقد قبل المفارقة والطول أو بعد أحدهما أو بعدهما فإن الصرف ينتقض في جميع ذلك فأما إذا استحق المصوغ فالمذهب انتقاض الصرف ، كما ذكر ولم أر فيه خلافا قال الصرف إذا كان بمسكوك من الجهتين أو من أحدهما وكان ذلك المسكوك معينا ، ثم استحق ذلك المسكوك المعين بعد أن افترق المتصارفان أو قبل أن يفترقا ولكن بعد طول المجلس طولا لا يصح معه الصرف أو كان الصرف على مصوغ من الجهتين أو من أحدهما ، ثم استحق ذلك المصوغ مطلقا ابن عبد السلام ; لأن المصوغ مراد لعينه فينتقض البيع بسبب [ ص: 327 ] استحقاقه فكيف بالصرف وأما المسكوك المعين إذا استحق بعد المفارقة والطول فما ذكره المصنف من انتقاض الصرف صحيح ، وهو المشهور عند ابن شاس وغيرهما ، وظاهر كلام وابن الحاجب الرجراجي وابن الكاتب أنه منتقض بلا خلاف وظاهر كلام المصنف أن الانتقاض معناه الفسخ ، وأنه لا يجوز البدل ولو رضيا بذلك وهكذا قال الرجراجي ، وقال اللخمي : يجوز البدل مع المراضاة ولو كان بعد الافتراق والطول وأما كلام ابن عبد السلام فليس هو مع الطول والافتراق ، كما يفهم ذلك من كلامه بالتأمل ، وإنما قلنا إن ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز البدل ; لأنه لم يذكر الطريقتين في جواز الرضا إلا مع عدم الطول والمفارقة ، كما سيأتي .
ص ( والأصح وهل إن تراضيا ؟ تردد )
ش : أي وإن فإن الصرف صحيح لا ينتقض ويعطيه بدل المستحق ، ثم اختلف المتأخرون في نقل المذهب هل عدم انتقاض الصرف محله ما إذا تراضيا يعني : المتصارفين بالبدل وأما إن لم يتراضيا بالبدل فلا يجبران عليه ويفسخ الصرف أو يجبر صاحب الدراهم المستحقة على البدل ويصح الصرف ، وإن لم يتراضيا في ذلك ؟ استحق المسكوك المعين ولم يحصل طول ولا مفارقة ، بل استحق بالحضرة
طريقتان ( الأولى ) منهما لابن يونس واللخمي والمازري والرجراجي ( والثانية ) لابن الكاتب وابن عبد السلام هذا أقرب ما يحمل عليه كلام المصنف ويكون لم يتكلم على المسكوك غير المعين ، والحكم فيه أنه إن حصل الاستحقاق بعد المفارقة أو الطول انتقض الصرف فلا خلاف على ظاهر كلام الرجراجي واللخمي ، بل صرح بذلك ابن الكاتب فيما نقله عنه ابن عرفة وأما إن لم يحصل مفارقة ولا طول ، فحكي في التوضيح عن بعضهم أنه لا ينتقض بلا خلاف ، وهو ظاهر كلام اللخمي والمازري وابن الكاتب وابن عبد السلام ، وظاهر كلام أن فيه خلافا والمشهور عدم النقض وظاهر كلام ابن الحاجب الرجراجي أن الصرف منتقض على قول ابن القاسم ولكن يجوز البدل ، وظاهر المدونة أن مذهب ابن القاسم أنه إذا استحقت الدراهم قبل المفارقة والطول انفسخ الصرف سواء كانت معينة أو غير معينة لكنه إذا أبدلها له بالحضرة وتراضيا جاز ، وإن يقول بالفسخ في المعينة وبعدمه في غيرها وأما إن حصل طول أو افتراق فإنه يفسخ الصرف والمسألة كثيرة الاضطراب ، وهذا محصل النقل فيها ولنذكر نصوص أصحابنا في ذلك ليراجعها من أراد ذلك ، والله أعلم . أشهب
قال المصنف في التوضيح في شرح قول : ولو استحق المسكوك بعد المفارقة أو الطول والتعيين انتقض على المشهور وإلا فالعكس ما إذا اصطرفا بمسكوك من الجانبين أو من جانب فاستحق المسكوك بعد المفارقة أو بعد أن طال المجلس ، وإن لم يفترقا أو كان المسكوك المعقود عليه معينا ، وإن لم يحصل طول ولا مفارقة فإن الصرف ينتقض على المشهور إذ لا يلزمه غير ما عين ، وإن لم يعين فقد تعينت بالقبض أو المفارقة على ما نقله ابن الحاجب ابن رشد كما تقدم ورأى في الشاذ أنها لا تتعين ، فيجبر على البدل في الثلاثة وقوله : وإلا فالعكس أي ، وإن لم يكن مفارقة ولا طول ولا تعيين لم ينتقض قال بعض من تكلم على هذا الموضوع : والمراد بالعكس عدم النقض فقط لا باعتبار دخول الخلاف ، وانعكاس المشهور أنه إذا لم يكن طول ولا افتراق ولا تعيين أجبر على البدل إذا كان عنده غيرها باتفاق ، وكلام المصنف يعني قريب من كلام صاحب الجواهر وذكر أن المشهور مذهب المدونة وعزا الشاذ ابن الحاجب وجعل هذا الخلاف إذا حصلت المفارقة أو الطول . لأشهب
وقال ابن الكاتب : إنما خلاف ابن القاسم إذا حصل الاستحقاق بالحضرة فعند وأشهب ابن القاسم يلزمه الإتيان بمثلها سواء وقع الصرف على معين أم لا وعند لا يلزمه ذلك إن كانت الدراهم معينة [ ص: 328 ] وأما إذا كانت غير معينة فينتقض ، وذكر أشهب ابن عبد السلام أن القرويين اختلفوا في محل القولين اللذين في المدونة هل هو بعد الافتراق والطول أو عند عدم كل واحد منهما ؟ ولنذكر لفظه في المدونة ليتبين لك الفهمان قال فيها ومن انتقض البيع ; لأنه صرف ومن صرف دنانير بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف ، وقال اشترى إبريق فضة بدينار أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم لا ينتقض إلا أن تكون الدراهم معينة يريه إياها وأما إن باعه من دراهم عنده أو من كيسه أو من تابوته فعليه مثلها مكانه ما لم يفترقا أشهب ابن القاسم ولو أنه إذا استحقت ساعة صارحه ، قال : خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز ولو طال أو تفرقا لم يجز فقوله : في قول مكانه لم يفترقا دليل على أنه إنما يخالف ما إذا كان بالحضرة وقوله في المدونة في أول المسألة : فينتقض الصرف يحمل على ما إذا لم يكن بالحضرة . أشهب
( تنبيهان الأول ) قيد ابن يونس قوله في المدونة " أنها إذا استحقت " ، وقال ساعة صارحه خذ مثلها جاز إذا تراضيا ، وكذلك قال ابن المواز وغمز ما قاله أبو بكر بن عبد الرحمن ابن المواز من اشتراط التراضي قال : لأنه لو كان مراده أن الخلف إنما يجوز بالتراضي لم يكن لتقييد هذا الجواب بقوله : لم يفترقا معنى ; لأنهما إذا افترقا وتراضيا على خلف الدراهم المستحقة صار ذلك مستأنفا لا يمنع منه ما تقدم من عقد بطل باستحقاق الدراهم المازري وهذا قد يعتذر عنه بأنه قيد بقوله : ما لم يفترقا ; لأنهما إذا افترقا وتراضيا ببدل الدراهم المستحقة صار ذلك تتمة العقد المتقدم الذي كشف الغيب أنهما لم يتناجزا فيه ، وقد تتطرق التهمة بكون العاقدين أو أحدهما قصد إلى ذلك في أصل العقد .
( التنبيه الثاني ) ما تقدم من كلام المصنف يعني أو التعيين ثابت في بعض النسخ التي رأيتها وكذا ثبت في نسخة ابن الحاجب ابن راشد وسقط من نسخة ابن عبد السلام والإثبات موافق لكلام المازري وابن شاس فإنهما أشارا إلى أنه إن حصل التعيين ينتقض الصرف ، ولو مع الحضرة على المشهور ; لأنهما نصا على أن هذه المسألة تجري على الخلاف في تعيين الدراهم بالتعيين ، وقد صرح اللخمي بذلك أعني بالنقض إذا كانت الدراهم معينة سواء استحقت بالحضرة أم لا لكنه مخالف لما تقدم من أن ابن القاسم يجيز البدل في الدراهم مطلقا سواء كانت معينة أم لا ، وإنما يأتي الإثبات على قول فتأمله ا هـ كلام التوضيح فانظر هذا الاضطراب الذي في هذه النقول ، بل كلام المدونة نفسه ظاهر التناقض ، كما سيأتي في كلام أشهب ابن عرفة ، وقال اللخمي إن انفسخ الصرف وسواء كان الاستحقاق قبل الافتراق أو بعده ، وإن دعا من استحق ذلك من يده إلى خلفه لم يجبر الآخر على ذلك ، وإن رضي بائع المستحق بخلفه لم يجبر الآخر على قبوله ، وإن رضيا جميعا هذا بخلفه وقبل الآخر جاز ذلك وسواء كان الاستحقاق قبل الافتراق أو بعده فإن كان الصرف على غير معين والاستحقاق قبل التفرق والمثل حاضر مع بائع المستحق أجبر على أن يعطي مثل ما استحق ، وإن استحق بعد الافتراق انفسخ الصرف ، ولا يجوز أن يتراضيا على مثل المستحق ; لأنه إنما دفع الآن ما كان حقه أن يدفع يوم كان الصرف فذلك فاسد إلا على قول من أجاز البدل ا هـ . كان الصرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحق أحدهما
ونقل ابن عرفة عن المازري نحوه ، ومثله طريقة ابن شاس على النسخة التي شرحها وابن الحاجب المصنف .
وقال الرجراجي إن كان الاستحقاق بعد الطول أو الافتراق فالصرف منتقض ولا يلزم البدل ، بل لا يجوز ، وإن كان قبل الافتراق والطول فإن وقع على دراهم معينة فالمذهب على قولين قائمين من المدونة أحدهما الصرف منتقض والبدل جائز ، وهو قول ابن القاسم والثاني الصرف والبدل لازم ، وهو قول [ ص: 329 ] ا هـ . فتحصل من كلامهم أنه إذا استحق المسكوك بعد المفارقة أو الطول انتقض الصرف سواء كان معينا أو غير معين لكن ظاهر كلام أشهب الرجراجي أنه ينتقض بلا خلاف ، وظاهر كلام ابن شاس أن فيه خلافا ، كما تقدم بيانه ، وأن مذهب المدونة وهو المشهور النقض ومقابله كما تقدم عنه في كلام التوضيح وأما إذا استحق بالحضرة فإن كان معينا انتقض الصرف كذلك بلا خلاف في طريق لأشهب الرجراجي وعلى المشهور في طريق ابن شاس ومن تبعه ، وإن كان غير معين لم ينتقض بلا خلاف على ما نقل في التوضيح عن بعضهم ، وهو ظاهر كلام ابن شاس والمازري ، وعلى قول ابن القاسم على ما قال الرجراجي وفهم القولين اللذين في المدونة في المسكوك غير المعين ، وهو خلاف ما فهم ابن الكاتب كما تقدم في كلام التوضيح فإنه جعل خلاف ابن القاسم فيما إذا حصل الاستحقاق بالحضرة سواء كان معينا أو غير معين ، وعند وأشهب ابن القاسم يلزمه الإتيان بمثلها سواء وقع الصرف على معين أم لا وعند لا يلزمه الإتيان بمثلها إذا تعينت أما إن لم تتعين فيلزمه الإتيان بمثلها ونحوه أشهب لابن عبد السلام فإنه سقط من نسخته أو التعيين فجعل معنى قول وإلا فالعكس أنه إذا لم تحصل مفارقة ولا طول فينعكس النقل قال : والمشهور عدم الانتقاض ، والشاذ الانتقاض وظاهره أن المشهور عدم الانتقاض سواء وقع الصرف على معين أو على غير معين . ابن الحاجب
والشاذ يقابله في الصورتين وذلك في المشهور صحيح وأما الشاذ ، فإنما هو إذا كان المسكوك معينا وهكذا القولان في الكتاب على خلاف بين القرويين في محل القولين هل هو قبل الافتراق والطول أو عند عدم كل منهما ا هـ .
وذكر ابن عرفة كلام ابن الكاتب ، كما ذكرناه وزاد عليه ، وإن طال بطل اتفاقا منهما ، أي من ابن القاسم قال وأشهب ابن عرفة وقبل الصقلي كلام ابن الكاتب وفي قبوله نظر ; لأن ظاهر لفظ المدونة أولا أن قول ابن القاسم في مسألة واحدة فإن حملت على القرب ، وهو نص وأشهب كان قول سحنون ابن القاسم فيها انتقض الصرف خلاف نقل ابن الكاتب عنه ، وإن حملت على الطول كان قول فيها لزمه إعطاء مثلها خلاف نقل أشهب ابن الكاتب اتفاقهما بعد الطول على بطلانه ، وإن قيد قول ابن القاسم بالطول ، وقول بالقرب لم يكن بينهما خلاف ، وقد نص أشهب ابن الكاتب على الخلاف بينهما ، ثم قال ، وقول ابن القاسم فيها أولا انتقض الصرف ، وقوله ثانيا لا بأس أن يعطيه مثلها متناقض إن حمل قوله : " لا بأس " على عدم توقفه على رضا الآخر كما أشار إليه ابن عبد الرحمن ولا يستقيم لفظها إلا بتوقفه على رضاه مع جواب المازري ا هـ . وبان من كلام الرجراجي ما قدمناه من أن ظاهر كلامه أنه لا يجوز البدل إذا وقع الاستحقاق بعد المفارقة أو الطول .
ولو كانت الدراهم معينة ، وهو خلاف ما قال اللخمي إن المعينة يجوز الإبدال فيها برضاهما سواء كان ذلك بعد الافتراق أم لا فتأمله ، وقال ابن عبد السلام في شرح ما إذا حصل الاستحقاق بالحضرة " واعلم أن مراده من الانتقاض وعدمه هنا هل يجبر دافع المستحق على إبداله إذا أمكنه ذلك أو لا يجبر ; لأنه يمتنع من بدله بتقدير انتقاض الصرف وبهذا يتفق أيضا ما قدمناه من أن ما ذكره المصنف في المسكوك المعين من الانتقاض ما بين نقل المؤلف والمدونة ، ثم ذكر كلام المدونة السابق فيتعين أن يحمل كلام المصنف على المسكوك المعين فقط وبأن أيضا ما قدمناه من أن ما ذكره المصنف في المسكوك المعين من الانتقاض إذا حصل الاستحقاق بعد المفارقة والطول صحيح بلا خلاف على ظاهر كلام الرجراجي وابن الكاتب وغيرهما وعلى المشهور من القولين على طريقة ابن شاس وغيرهما وظاهر كلام وابن الحاجب على النسخة التي شرح عليها ابن الحاجب ابن راشد والمصنف النقض مطلقا ولو تراضيا [ ص: 330 ] فهي طريقة ثالثة .
( تنبيهات الأول ) إنما قلنا إن المصنف سكت عن المسكوك غير المعين ; لأنه قيد المسكوك أول كلامه بقوله : المعين ، ثم قال والأصح فإذا أدخلناه في قوله " وإلا " اقتضى كلامه أنه يصح ولو حصل الطول والمفارقة اللهم إلا أن يقال يؤخذ من كلامه انفساخ الصرف مع المفارقة والطول من باب الأولى ; لأنه إذا حكم بانتقاض الصرف مع الطول أو المفارقة في المسكوك المعين فأحرى في غير المعين ويكون قوله : " والأصح " شاملا للمسكوك مطلقا سواء كان معينا أو غير معين ، وأنه لا ينقض الصرف فيه ، وأما قوله " وهل إن تراضيا تردد " يشير بالطريقين في المعين إلى الطريقتين اللتين ذكرناهما وفي غير المعين إلى طريق الصرف في استحقاق المسكوك غير المعين الرجراجي وغيره فتأمله .
( الثاني ) إن قيل ذكر المصنف حكم المصوغ والمسكوك فما حكم التبر ( قلت ) الذي يظهر من كلام الرجراجي وابن عرفة أن حكمه حكم المسكوك ، والله أعلم .
( الثالث ) يفهم من هذه المسألة أن العين يمكن استحقاقها وتقبل الشهادة على عينها ، وقد نص على ذلك في كتاب الشهادات من المدونة .
ص ( وللمستحق إجازته إن بشرط أن لا يكون المصطرف قد أخبره مخبر بأن المصوغ أو المسكوك ليس ملكا للصارف . لم يخبر المصطرف ) ش : يعني إذا حكمنا بانتقاض الصرف في مسألة استحقاق المصوغ والمسكوك المعين فللمستحق إجازة الصرف وإلزامه للمصطرف ، وله نقضه وأخذ حقه
( تنبيه ) شرط في المدونة في إجازة ذلك حضور الشيء المستحق والثمن الذي يأخذه المجيز قال فيها " ومن لم يجز ذلك ولو استحقها قبل تفرق المتبايعين واختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه ولو كان المبتاع قد بعث بها إلى بيته ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق ولكنه إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك جائز ، وإن غاب الخلخالان لم يجز انتهى . اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم فنقده ، ثم استحقها رجل بعد التفرق وأراد إجازة البيع واتباع البائع بالثمن
( فرع ) قال ابن عرفة التونسي لو أمضاه في غيبة البائع وطاع المبتاع بدفع ثمنه ليرجع به على بائعه جاز . ابن عرفة هو ظاهرها ، والله أعلم