الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( والمثلي صفة وقدرا كمثله فيمنع ما قل لأجله أو أبعد إن غاب مشتريه به )

                                                                                                                            ش : قد تقدم الكلام أولا فيما إذا باع شيئا يعرف [ ص: 398 ] بعينه من ذوات القيم وتكلم الآن فيما إذا كان المبيع شيئا لا يعرف بعينه من ذوات الأمثال فذكر أن مثله في الصفة والمقدار يقوم مقامه ومعنى المسألة أن من باع شيئا من المثليات إلى أجل ثم اشترى من المشتري مثل ذلك المثلي في الصفة والمقدار فكأنه اشترى ما باعه فيمتنع في ذلك الصور الثلاث المتقدمة وصورتان أخريان أشار إليهما بقوله فيمتنع بأقل لأجله أو أبعد ولذلك كانت الواو أنسب كما قال ابن غازي : وإن الشرط مختص في الصورتين الأخيرتين ، وعلة المنع كما قاله في التوضيح أنهم يعدون الغيبة على المثلي سلفا فصار كأن البائع أسلف المشتري إردبا على أن يعطيه دينارا بعد شهر ويقاصه بالدينار عند الأجل ا هـ ، وذلك لأن فرض المسألة فيما إذا باع إردبا بدينارين إلى شهر ثم اشتراه بدينار إلى ذلك الشهر يريد أو إلى أبعد منه ثم قال ولا يقال إذا غاب على ما يعرف بعينه فقد انتفع به والسلف لا يتعين فيه رد المثل بل يجوز فيه رد العين والمثل فلم لا يعدونه سلفا ; لأنا نقول لما رجعت العين فكأنهما اشترطا ذلك فخرجا عن حقيقة السلف وفيه نظر ا هـ كلام التوضيح ، والله أعلم .

                                                                                                                            وتصوره ظاهر ومفهوم قوله صفة وقدرا أنه لو اختلف في الصفة أو في القدر لكان الحكم خلاف ذلك وهو كذلك أما إذا خالفه في الصفة فسيصرح بحكمه في قوله وهل غير صنف طعامه إلى آخره وأما إذا خالفه في القدر فلا يخلو إما أن يشتري أقل مما باعه أو أكثر فإن اشترى أقل مما باعه فهو بمنزلة ما إذا باع سلعتين إلى أجل ثم اشترى أحدهما وسيأتي حكمها في كلام المصنف وأنه يمتنع فيها خمس صور وهي ما إذا اشترى أحد السلعتين لأبعد من الأجل سواء كان بمثل الثمن أو أكثر ; لأنه سلف جر منفعة أو أقل ; لأنه بيع وسلف أو بأقل من الثمن نقدا أو إلى أجل دون الأجل ; لأنه بيع وسلف لكن لا بد في مسألة المثلي من زيادة تفصيل وذلك ; لأنه إما أن يغيب عليه أو لا فإن لم يغب عليه فحكمه حكم ما يعرف بعينه فتمتنع الخمس المتقدمة وأما إن غاب عليه فتمتنع فيه صورة أخرى وهي أن يشتريه بأقل من الثمن إلى مثل الأجل ; لأنه بيع وسلف ; لأن ما رجع للبائع فهو سلف وإذا حل الأجل قاصه المشتري بما في ذمته ثم يعطيه ما بقي ثمنا للمتأخر واختلف في صورة سابعة وهي أن يبتاع منه بمثل الثمن أقل من الطعام مقاصة فإن قول مالك اختلف فيها واضطرب فيها المتأخرون ، والله أعلم .

                                                                                                                            وإن اشترى أكثر مما باعه فهو بمنزلة ما إذا باع سلعة إلى أجل ثم اشتراها مع سلعة أخرى وسيأتي حكمها في كلام المصنف وأنه يمتنع فيها سبع صور وهي ما إذا اشترى نقدا أو إلى أجل دون الأجل سواء كان بمثل الثمن أو بأقل أو بأكثر أما إذا كان بمثل الثمن أو أقل ; فلأنه سلف جر نفعا وأما إذا كان أكثر ; فلأنه بيع وسلف ويمتنع أيضا لأبعد بأكثر ; لأنه بيع وسلف ولكن لا بد في مسألة المثلي من تفصيل وهو إما أن يكون ذلك قبل الغيبة أو بعد الغيبة عليه فإن كان قبل الغيبة فحكمه حكم ما يعرف بعينه وإن كان بعد الغيبة عليه فتمتنع الصور كلها قاله في التوضيح إما لسلف جر نفعا وإما للبيع والسلف .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية