الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وبخلاف اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر لأجل )

                                                                                                                            ش : قال الشارح يحتمل أن يكون مراده بخلاف كذا فإنه يمتنع أو فإنه يفسخ والمعنى متقارب ، انتهى . والظاهر الأول فإن هذا هو القسم الممنوع وقد ذكروا فيه ست مسائل منها ما يفسخ ومنها ما لا يفسخ على أن إطلاقهم المنع على هذا القسم تجوز فإن بعضه مكروه أو جائز كما سيأتي قال في المقدمات والمحظور أن يراوضه على الربح فيقول اشتر سلعة كذا بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وأبتاعها منك بكذا ونحوه في البيان وقال في التنبيهات الحرام الذي هو ربا صراح أن يراوض الرجل الرجل على ثمن السلعة التي يساومه فيها ليبيعها منه إلى أجل ثم على ثمنه الذي يشتريها به منه بعد ذلك نقدا أو يراوضه على ربح السلعة التي يشتريها له من غيره فيقول : أنا أشتريها على أن تربحني فيها كذا أو للعشرة كذا قال ابن حبيب فهذا حرام وكذلك لو قال اشترها لي وأنا أربحك وإن لم يسم ثمنا قال وذلك كله ربا ويفسخ هذا وليس فيه إلا رأس المال ، انتهى . وما ذكره عن ابن حبيب في قوله اشترها لي وأنا أربحك وإن لم يسم ثمنا مخالف لما تقدم عن ابن رشد في المقدمات والبيان وما مشى عليه المصنف من أن ذلك مكروه فقط ولا يفسخ فيكون ما ذكره عن ابن حبيب خلاف المشهور وهو

                                                                                                                            [ ص: 406 ] ظاهر بل سيأتي عن مالك أنه لا يفسخ مع تسمية الثمن والربح في بعض المسائل وأنه في بعضها جائز وسيأتي التنبيه على ذلك وذكر في - التوضيح كلام عياض ولم ينبه على ما ذكره فتأمله ، قال في المقدمات والبيان وفي هذا الوجه ست مسائل متفرقة الأحكام ثلاث في قوله اشتر لي وثلاث في قوله اشتر لنفسك أو يقول اشتر لنفسك أو يقول اشتر ولا يقول لي ولا لنفسك فقول المصنف بخلاف اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر إلى أجل يعني به أنه يمتنع أن يقول الرجل للرجل اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر لأجل سواء قال اشترها لي أو لنفسك أو لم يقل لي أو لنفسك فهذا ممنوع ولكن لكل واحد حكم يخصه بينه بقوله

                                                                                                                            ص ( ولزمت الآمر إن قال لي وفي الفسخ إن لم يقل لي إلا أن تفوت فالقيمة أو إمضاؤها ولزومه الاثني عشر قولان )

                                                                                                                            ش : يعني أنه إذا قال اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا آخذها منك باثني عشر لأجل ولفظ التوضيح والبيان في موضع وأنا أشتريها منك ولفظ المقدمات والبيان في موضع آخر وأنا أبتاعها منك قال في المقدمات والبيان فذلك حرام لا يحل ولا يجوز ; لأنه من رجل ازداد في سلفه .

                                                                                                                            فإن وقع لزمت السلعة الآمر ; لأن الشراء كان له وإنما أسلفه المأمور ثمنا ليأخذ منه أكثر منه إلى أجل فيعطيه العشرة معجلة ويطوع عنه ما أربى ا هـ ، واختلف فيما يكون للمأمور من الجعل على الخلاف الآتي في المسألة الآتية قال في المقدمات والبيان وقال في سماع سحنون إن لم تفت السلعة فسخ البيع يعني البيع الأول الذي بين المأمور ورب السلعة قال وهو بعيد ، فقيل معناه إذا علم البائع الأول بعلمهما ، والله أعلم . وقوله في الفسخ إن لم يقل إلخ يعني به وإن قال له اشتر سلعة كذا لنفسك أو قال اشتر ولم يقل لي ولا لنفسك كما تقدم عن المقدمات والبيان بعشرة نقدا وأنا آخذها منك أو أشتريها منك أو أبتاعها منك باثني عشر لأجل قال في المقدمات فهذا لا يجوز إلا أنه مختلف فيه إذا وقع على قولين : أحدهما أن السلعة لازمة للآمر باثني عشر ; لأن المأمور كان ضامنا لها ولو تلفت في يده قبل أن يبيعها من الآمر زاد في المقدمات ولو أراد الآمر أن لا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له ويستحب للمأمور أن يتورع فلا يأخذ من الآمر إلا ما نقده في ثمنها وهو قول ابن القاسم في سماع سحنون وروايته عن مالك .

                                                                                                                            والقول الثاني أن البيع الثاني يفسخ ويرد السلعة إلى المأمور إذا كانت قائمة وإن فاتت ردت إليه قيمتها معجلة كما يصنع بالبيع الحرام ; لأنه باعه إياها قبل أن تجب له ، فيدخله بيع ما ليس عندك وهو قول ابن حبيب وإلى هذين القولين أشار المصنف بقوله وفي الفسخ إن لم يقل لي أي سواء قال لنفسك أم لم يقل ذلك وقوله إلا أن تفوت فالقيمة فيه مسامحة ; لأنه يقتضي أنه إذا فاتت السلعة لا يفسخ البيع وليس كذلك بل يفسخ على هذا القول مطلقا فإن لم تفت السلعة ردت نفسها وإن فاتت ردت قيمتها ويشير إلى هذا بقوله فالقيمة ولو أسقطه المصنف أو قال بدله مطلقا لكان أبين وكان يعلم مما تقدم أنه إذا فسخ ردت السلعة إن كانت قائمة فإن فاتت رد قيمتها ويأتي له مثل هذا في المسألة الأخيرة وأشار إلى القول الآخر بقوله : وإمضاؤها ولزومه الاثني عشر ، يعني سواء كانت قائمة أو فاتت وكان ينبغي للمصنف أن يقتصر على هذا ; لأنه قول ابن القاسم وروايته عن مالك ولم ينبه المصنف على أنه يستحب للمأمور على هذا القول أن يتورع ولا يأخذ إلا ما نقد ولا على أن ضمان السلعة قبل أن يشتريها الآمر من المأمور وعلى أن الآمر لا يلزمه أن يأخذ السلعة إن أبى لوضوح ذلك وفهم من كلام ابن رشد أنه إذا قال اشترها لي أنها في ضمانه وأنه ليس له أن يقول لا آخذها وهو بين ، والله أعلم .

                                                                                                                            وهذه المسألة فيما يبين أن مراد المصنف بقوله بخلاف اشترها أي فإنه ممنوع لا أنه مفسخ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية