الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وجزاف حب مع مكيل منه أو أرض وجزاف أرض مع مكيله لا مع حب )

                                                                                                                            ش : جزاف مجرور بالعطف على غير مرئي ، وأرض معطوفة على الضمير في قوله منه فهو من العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، والمعنى أنه لا يجوز بيع جزاف من الحب مع مكيل منه كأن يبيعه هذه الصبرة من القمح مع عشرة أمداد من قمح آخر ، ولا يجوز بيع جزاف من الحب مع مكيل من الأرض كأن يبيعه هذه الصبرة مع عشرة أذرع من الأرض ، وكذلك يمنع بيع جزاف من الأرض مع الأرض المكيلة ، وأما جزاف الأرض مع الحب المكيل فيجوز ، وأصل هذه المسألة في كتاب [ ص: 291 ] الغرر من المقدمات ، وفي رسم شك من سماع ابن القاسم ، وفي رسم البيع ، والصرف من سماع أصبغ من جامع البيوع قال في المقدمات : لما تكلم على الغرر المانع من صحة العقد ، ومن هذا المعنى بيع المكيل ، والجزاف في صفقة واحدة ، والقول فيما يجوز منه يتحصل بأن تعلم أن من الأشياء ما لا أصل فيه أن يباع كيلا ، ويجوز بيعه جزافا كالحبوب ومنها ما الأصل فيه أن يباع جزافا ، ويجوز بيعه كيلا كالأرضين ، والثياب ومنها عروض لا يجوز بيعها كيلا ولا وزنا كالعبيد ، والحيوان فالجزاف مما أصله أن يباع كيلا كالحبوب لا يجوز بيعه مع المكيل منه ، ولا مع المكيل مما أصله أن يباع جزافا كالأرضين ، والثياب باتفاق انتهى .

                                                                                                                            واعلم أن في بيع الشيئين معا ثلاثة أقسام ; لأنهما إما أن يكونا جزافين أو مكيلين أو أحدهما مكيلا والآخر جزافا ، والقسمان الأولان يأتي الكلام عليهما والقسم الثالث فيه أربع صور ; لأنه إما أن يكونا أصلهما معا الكيل أو أصلهما معا الجزاف أو أصل ما يباع جزافا الكيل وأصل ما يباع بالكيل الجزاف أو بالعكس ، فالثلاثة الأول ممنوعة والرابعة جائزة فأشار المصنف إلى الصورة الأولى والصورة الثالثة بقوله ، وجزاف حب مع مكيل منه أو أرض ، وأشار إلى الصورة الثالثة الممنوعة والرابعة الجائزة بقوله ، وجزاف أرض مع مكيله لا مع حب يعني أنه لا يجوز بيع جزاف الأرض مع أرض مكيلة .

                                                                                                                            وقوله لا مع حب أي لا جزاف أرض مع حب مكيل فإنه يجوز وفاقا لابن زرب وابن محرز خلافا لابن العطار قال في المقدمات ، والجزاف مما أصله أن يباع جزافا كالأرضين لا يجوز بيعه مع المكيل منه باتفاق واختلف في بيعه مع المكيل مما أصله أن يباع كيلا على قولين الجواز لابن زرب ، وأقامه من سلم المدونة ، وعدمه لابن العطار ، وقال ابن عرفة : ولابن محرز مثل ما لابن زرب قال ابن رشد في رسم شك من سماع ابن القاسم : وما ذهب إليه ابن زرب هو الصحيح .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : قوله مع مكيل منه أي من الحب سواء كان من جنس المكيل أو من غير جنسه قاله في الرسمين المتقدمين ، وقوله مكيلة في بعض النسخ بالتاء المنونة ، وفي بعضها مكيلها بالتأنيث ، ولا إشكال عليهما ، وفي بعض النسخ مع مكيله بالضمير المذكر ، وكأنه ذكره ، وإن كان عائدا للأرض ; لأنها كناية عن الجنس المذكر والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية