ص ( وتصدق بما غش ولو كثر )
ش : قال ابن رشد في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب السلطان : لا يجوز لأحد أن يفعله ، وإن بين عند البيع أنه مخلوط وينبغي للإمام أن يمنع منه ويضرب عليه فإن فعل كان للمشتري أن يرد ، وإن بين أنه مخلوط جيد برديء إلا أن يبين مقدار الرديء الذي خلط بالجيد وصفتهما جميعا قبل [ ص: 343 ] الخلط حتى يستوي علمهما فلا يكون للمشتري حينئذ أن يرد ويكون هو قد باء بالإثم في خلطه إذ قد يغش به غيره ; لأنه مما يمكن أن يغش أو ممن لا يدري ما يصنع به ، ويكره له أن يبيعه ممن يخشى أن يغش به ولا يجوز أن يبيعه ممن يعلم أنه يغش به ، وهذا في الصنف الواحد الذي يخلط ولا يمتاز بعد الخلط جيده من رديئه كالزيت والسمن ، والعسل وشبه ذلك وأما الصنفان اللذان يمتازان بعد الخلط إلا أنه لا يعلم مقدار كل واحد منهما كالقمح والشعير أو السمن والعسل أو الغلث والطعام وما أشبه ذلك فإن كان أحد الصنفين منهما يسيرا جدا تبعا لصاحبه جاز أن يبيع ولا يبين ، وإن لم يكن أحدهما يسيرا ولا تبعا لصاحبه فلا يخلو من أن يكون يمكن تمييزه أو لا يمكن تمييزه فإن كان يمكن تمييزه كالغلث مع الطعام واللحم السمين مع المهزول وما أشبه ذلك فلا يجوز أن يباع الكثير من ذلك على ما هو عليه حتى يميز أحدهما عن صاحبه ويجوز أن يباع القليل منه على ما هو عليه ، وإن كان مما لا يمكن تمييز أحدهما من صاحبه كالسمن من العسل والقمح من الشعير والماء من اللبن والعسل فقيل : يجوز بيعه ، كما هو على بيان ما فيه إذ لا يقدر على تخليص بعضه من بعض ممن يأكله ويأمن أن يغش به ، قاله خلط الرديء بالجيد للمبيع ابن حبيب في اللبن والعسل المغشوشين ، وقيل : إن ذلك لا يجوز ، وهو قول في الواضحة ، وكتاب مالك أن من خلط قمحا بشعير لقوته فيكره له أن يبيع ما فضل منه يريد إلا أن يبين مقدار الشعير من القمح وقيل : إن كان خلطه للبيع لم يجز له أن يبيعه ، وإن خلطه للأكل جاز له أن يبيعه وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن المواز ، وقيل لا يجوز له أن يبيعه إلا أن يكون خلطه للأكل ، وهو يسير ، وهو قول ابن المواز مطرف وابن الماجشون في الواضحة هذا تحصيل القول في هذه المسألة انتهى . وعلم من كلام ابن رشد أن الكراهة في قول محمد أن من خلط قمحا بشعير لقوته يكره له أن يبيعه على المنع ، والله أعلم . ونقل ابن عرفة الكلام على الغش في أثناء البيوع والفاكهاني في شرح قول الرسالة ولا خلط دنيء بجيد خلط الدنيء بالجيد مثل : خلط حنطة دنيئة بحنطة غيرها أو لحم الذكور بلحم الإناث أو السمين بالهزيل ، وهذا كله في الجنس الواحد ، قال الشيخ أبو محمد صالح ولا يكون ذلك في الجنسين مثل الشعير والذرة .