الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولو باعه بعشرة ثم اشتراه مع سلعة نقدا مطلقا أو لأبعد بأكثر )

                                                                                                                            ش : يعني إذا باع ثوبا بعشرة مثلا إلى شهر ثم اشتراه مع ثوب آخر نقدا امتنع ذلك مطلقا أي سواء اشتراه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر ; لأن ثوبه رجع إليه وخرج من يده عشرة مثلا أخذ عنها ثوبا ثم يأخذها بعد شهر وإن اشتراه بثمانية فذلك واضح في الفساد وإن اشتراه باثني عشر فالعشرة المردودة سلف والزائد ثمن للثوب المزيد فجاء البيع والسلف وحكم ما إذا اشتراه لأجل دون الأجل كذلك وإن اشتراه لأبعد من الأجل باثني عشر مثلا ففيه البيع والسلف إلا أن المسلف هنا المشتري ; لأنه دفع إلى البائع ثوبا مع ثوبه وبعد شهر يدفع له عشرة ثم يأخذ بعد شهرين اثني عشر منها عشرة قضاء واثنان ثمن للثوب

                                                                                                                            ص ( أو بخمسة وسلعة )

                                                                                                                            ش : هذه عكس المسألة التي قبلها فإن زيادة السلعة في الأولى كانت من المشتري وهذه من البائع ومعناها أن من باع سلعة بعشرة إلى شهر مثلا ثم اشتراها بثمن من جنس الأول وسلعة أخرى وصورها اثنا عشر صورة ; لأن البيعة الثانية إما بأقل من الثمن الأول أو بمثله أو بأكثر على كل حال فإما نقدا أو إلى أجل دون الأجل أو إلى الأجل نفسه أو إلى أبعد من الأجل الأول فقول المصنف بخمسة وسلعة مثال

                                                                                                                            [ ص: 400 ] لما اشتراها بأقل من الثمن الأول مع سلعة وذكر الخمسة تمثيل ويريد المصنف والمسألة بحالها من كون الثمن نقدا أو إلى أجل دون الأجل أو لأبعد والعلة في الثلاث البيع والسلف إلا أن السلف في المسألتين الأوليين وهي ما إذا اشتراه بخمسة وسلعة نقدا أو إلى أجل دون الأجل من أجل البيع وفي الثالثة وهي ما إذا اشتراه بسلعة وخمسة إلى أبعد من أجل المشتري وبقيت من صور ما إذا كان الثمن الثاني أقل من الأول صورة واحدة وهي ما إذا كان مؤجلا إلى الأجل الأول وهي جائزة ولوضوحها سكت المصنف عنها وأشار بقوله

                                                                                                                            ص ( لا بعشرة وسلعة )

                                                                                                                            ش : إلى ما إذا كان الثمن الثاني مثل الأول فذكر أن ذلك جائز يريد بشرط أن يكون نقدا أو إلى أجل دون الأجل أو إلى الأجل وأما لأبعد من الأجل فامتنع عملا بقوله أولا يمتنع منها ثلاث وهي ما عجل فيه الأقل ; لأن المشتري يأخذ السلعة المعجلة ويسلف البائع عشرة بعد شهر ويأخذها بعد شهر آخر وسكت المصنف عما إذا اشتراها بسلعة وأكثر من الثمن الأول كما لو اشتراها بسلعة واثني عشر وحكمها حكم ما إذا اشتراها بعشرة ومثل الثمن الأول فيجوز إذا كان الثمن نقدا أو إلى أجل دون الأجل أو إلى الأجل نفسه ويمتنع إلى أبعد من الأجل وهو واضح ولو قال المصنف لا بعشرة فأكثر إلا لأبعد لوفى بجميع ذلك بالنص ، والله أعلم .

                                                                                                                            وما ذكرناه من الجواز فيما إذا كانت البيعة الثانية بعشرة فأكثر وسلعة هو مذهب ابن القاسم قال ابن الحاجب خلافا لابن الماجشون ; لأن جعل السلعة العائدة إلى يد البائع وهي التي خرجت من يده أولا مبيعة بالثانية الخارجة من يده ثانيا وجعل العشرة النقد سلفا في العشرة المؤجلة فيكون بيعا وسلفا قال ابن الحاجب ووهم ; لأن الثوب إنما يكون مبيعا بالشاة إذا قدرنا أنه انتقل إلى ملك المشتري الأول في المعاوضة الأولى فيلزم أن تكون المعاوضة الأولى صحيحة وإذا صحت كانت العشرة قد تقررت في ذمة المشتري الأول مع بيع صحيح وذلك مانع ; لأن يعد قضاء عن سلف ; لأن الشيء الواحد لا يكون ثمنا وسلفا قال المصنف في التوضيح وهذا ظاهر إن علل بما ذكره وإلا فقد يعلل بالضمان بجعل ; لأنه ضمنه السلعة بالشاة وتعجيل العشرة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال المصنف في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب ولو كان ثوبا بعشرة ثم اشتراه بخمسة وسلعة لم يجز ، هذه عكس التي قبلها ; لأن زيادة السلعة كانت في الأولى من المشتري وفي هذه من البائع الأول ومعناها أن من باع سلعة بعشرة إلى شهر مثلا ثم اشتراها بخمسة وشاة وصورها أيضا اثنا عشر ; لأن البيعة الثانية إما أن تكون بأقل من الثمن الأول أو بمثله أو أكثر نقدا أو إلى الأجل نفسه أو إلى أقل منه أو إلى أبعد ولا يجوز منها إلا إذا كان البيع إلى الأجل نفسه ، بيان ذلك أن ثوبه قد رجع إليه فصار لغوا وآل أمره إلى أن دفع خمسة وشاة نقدا يأخذ عنها عشرة إلى شهر وذلك بيع وسلف وكذلك إذا كان يدفع الخمسة إلى نصف شهر وكذلك إن كان يدفع الخمسة بعد شهرين فكذلك إلا أن المشتري هنا هو المسلف وأما إذا كانت المسألة تحل بحلول الأجل الأول فلا مانع لوجوب المقاصة ، انتهى . واعترض عليه شيخ شيوخنا القاضي عبد القادر الأنصاري - رحمه الله - وقال هذا كلام غير صحيح بالنسبة إلى الصور الاثني عشر ويشير إلى ما تقدم

                                                                                                                            [ ص: 401 ] من أنه إذا اشترى الثوب بعشرة وثوب أو بأكثر جاز ( قلت ) والظاهر أن المصنف - رحمه الله - لم يرد هذا ; لأن ابن الحاجب صرح بجواز ما ذكر إثر المسألة المذكورة عند ابن القاسم وابن الماجشون مع ذلك ولم يقل المصنف في شرحها إن هذه المسألة بقية صور المسألة السابقة وإنما أراد المصنف - رحمه الله - أن الخمسة والشاة تارة يكونان مثل الثمن الأول بأن تكون قيمة الشاة خمسة وتارة يكونان أقل بأن تكون قيمة الشاة أربعة فأقل وتارة يكونان أكثر بأن تكون قيمة الشاة ستة فأكثر وحينئذ يصح ما قاله - رحمه الله - من المنع في جميع الصور وذلك بين من كلامه - رحمه الله - ; لأنه لم يقل إما أن يكون النقد الذي مع الشاة أقل أو أكثر أو مثل وإنما قال : لأن البيعة الثانية إما بمثل الثمن الأول إلى آخره فتأمله منصفا ، والله الموفق للصواب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية