تنبيه يقع كما ذكرنا وبين البينتين ، بأن تقوم بينة لزيد بكذا ولعمرو به ، وبين الأصليين ، كما لو التعارض في الشرع بين الدليلين فإن الأصل بقاء الحياة ، والأصل براءة الذمة ، قد ملفوفا وزعم الولي حياته والجاني موته كثياب الكفار . وبين الأصل والظاهر
ويختلف العلماء في ذلك كله ، واتفقوا على ، وعلى تغليب الغالب على الأصل في البينة ، فإن الغالب صدقها والأصل براءة الذمة ، وقال تغليب الأصل على الغالب في الدعاوى إمام الحرمين في باب زكاة الفطر من النهاية " : تقابل الأصلين مما يستهين به الفقهاء وهو من غوامض مآخذ الأدلة الشرعية ، وكيف يستجيز المحصل اعتقاد ؟ ، وحكى فيهما النفي والإثبات ، وهذا لو فرض لكان مباهتة ومحاورة لا سبيل إلى بت قول فيها في فتوى أو حكم ، إذا علمت ذلك تقابل أصلين لا يرجح أحدهما على الآخر ممتنع اتفاقا سواء كانا عقليين ، أو نقليين ، وكذلك بين فالتعادل بين الدليلين القطعيين المتنافيين لتقدم القطعي لأنه لو وقع لاجتمع النقيضان أو ارتفعا ، وهذا فيه أمران : ( أحدهما ) : أنه بناء منهم على أن العلوم غير متفاوتة فإن قلنا بتفاوتهما اتجه الترجيح بين القطعيات لأن بعضها أجلى من بعض [ ص: 125 ] القطعي والظني
( ثانيها ) : أنه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر ، وأما في الأذهان فجائز ، فإنه قد يتعارض عند الإنسان دليلان قاطعان بحيث يعجز عن القدح في أحدهما ، وقد ذكروا هذا التفصيل بالنسبة إلى الأمارتين فليجئ مثله في القاطعين ، وأما فصحيح ، وأما في نفس الأمر على معنى أنه ينصب الله تعالى على الحكم أمارتين متكافئتين في نفس الأمر بحيث لا يكون لأحدهما مرجح ، فاختلفوا فيه ، فمنعه التعادل بين الأمارتين في الأذهان الكرخي وغيره ، وقالوا : لا بد أن يكون أحد المعنيين أرجح وإن جاز خفاؤه على بعض المجتهدين ، ولا يجوز تقدير اعتدالهما قال إلكيا : وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء ، وبه قال العنبري وقال ابن السمعاني : إنه مذهب الفقهاء ونصره ، وحكاه الآمدي عن ، وهو الذي ذكره القاضي أحمد بن حنبل من أصحابه ، وصار صائرون إلى أن ذلك جائز ، وهو مذهب وأبو الخطاب أبي علي ، ونقل عن وأبي هاشم قال القاضي أبي بكر إلكيا : وهو المنقول عن ، ثم اختار الشافعي إلكيا قول الكرخي ، ونقله عن إمام الحرمين ، وقال : إنه قطع به قال : والاستحالة متلقاة من العادة المطردة ، وما نقله عن إن كان من جهة قوله بالقولين في مسائل كثيرة فلا يدل ، لأنه تعادل ذهني ، ولا نزاع فيه ، وإن كان من جهة قوله في البينتين فالمأخذ مختلف ، بل نص على الامتناع في الرسالة " ، فقال في باب علل الأحاديث : ولم نجد عنه صلى الله عليه وسلم حديثين نسبا للاختلاف فكشفناه إلا وجدنا لهما مخرجا ، وعلى أحدهما دلالة بموافقة كتاب أو سنة ، أو غيره من الدلائل انتهى وقرره الشافعي الصيرفي في شرحها فقال : قد صرح بأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص والعموم والإجمالي والتفسير إلا على وجه النسخ وإن لم يجده . الشافعي
وقد حكى الجرجاني من الحنفية قول بالمنع ، ثم قال : وهو اختلاف [ ص: 126 ] قول الكرخي - رحمه الله - في أبي حنيفة لما تساوى عنده الدليلان توقف عنه ، وليس كما قال لأن سؤر الحمار لم يخير في الأخذ بأيهما شاء ، بل أخذ بالأحوط وجمع بين الدليلين ، فقال : يتوضأ به ويتيمم ، نعم ، حكي عنه التخيير في وجوب أبا حنيفة وعدمه ، وهذا هو الخلاف الذي يعبرون عنه بتكافؤ الأدلة ، والراجح كما قاله في اللمع " - أنه لا يجوز ، بل لا بد من ترجيح أحدهما على الآخر ، وهو الذي نصره زكاة الخيل ابن السمعاني وغيره ، وقال سليم في التقريب " : إنه الأشبه ، لأن الأحاديث أحادية تؤدي إلى تكافؤ الأدلة وتعارضها ، وهو خلاف موضوع الشريعة لئلا يلزم خلو الوقائع عن حكم الله وفصل من الحنابلة بين مسائل الأصول فيمتنع ، وبين الفروع فيجوز ، فإن أراد بالأصول القطعي فليس خلافنا فيه ، ثم قال القاضي ابن دقيق العيد : هذا الخلاف يحتمل أن يكون في الوقوع ، ويحتمل أن يكون في التجويز العقلي قلت : هو جار فيهما ، فقد حكى قولا بامتناع وجود خبرين لا ترجيح بينهما ، وعزاه ابن فورك ابن برهان لأحمد والإمام ، وحكى الماوردي والروياني في خلاف تكافؤ الأدلة وجهين لأصحابنا ، ونقل أن الأكثرين على جوازه ووقوعه وقد قال - رضي الله عنه - لما سئل عن عثمان فقال : حرمتهما آية وأحلتهما آية ، ثم قضية الجمع بين الأختين المملوكتين إمام الحرمين في موضع أن الجواز جار ، سواء قلنا : المصيب واحد أو كل مجتهد مصيب ، وقال القاضي ، ، والأستاذ أبو منصور والغزالي ، وابن الصباغ : إنما يصح على قول من رأى أن المصيب في الفروع واحد ، وأما القائلون بأن كل مجتهد مصيب فلا معنى لترجيح ظاهر على ظاهر ، لأن الكل صواب عنده واختار الترجيح بين الظواهر المتعارضة الرازي وأتباعه أن جائز وواقع ، [ ص: 127 ] كمن تعادل الأمارتين على حكم واحد في فعلين متباينين فإن واجبه أربع حقاق أو خمس بنات لبون وأما تعارضهما على حكمين متباينين لفعل واحد كالإباحة والتحريم - مثلا - فإنه جائز عقلا ، ولكنه ممتنع شرعا . ملك مائتين من الإبل