الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الاعتبار الخامس - بحسب كيفية الحكم وقد سبق في ترجيح الأخبار فليأت مثله هاهنا ، فإذا كانت إحدى العلتين ناقلة عن حكم العقل والأخرى مقررة على الأصل ، فالناقلة أولى على الصحيح كما قاله الغزالي وابن السمعاني وغيرهما ، لأن الناقلة أثبتت حكما شرعيا ، والمقررة ما أثبتت شيئا ومنهم من قال : المبقية أولى ، لاعتضادها بحكم العقل المستقل بالنفي لولا هذه العلة وكذا قال الأستاذ أبو منصور : ذهب أكثر أصحابنا إلى ترجيح الناقلة عن العادة ، وبه جزم إلكيا ، لأن الناقلة مستفادة من الشرع ، والأخرى ترجع إلى عدم الدليل فلا معارضة بينهما وقيل : الناقلة والموافقة للعادة سيان ، لأن النسخ بالعلل لا يجوز ، بخلاف الخبرين لأن النسخ لأحدهما بالآخر جائز والغالب في النسخ نسخ

                                                      [ ص: 222 ] ما يوافق العادة لما ينقل عنها ، فلذلك قلنا في الأخبار : إن الناقل أولى قال الأستاذ أبو منصور : وكان علي بن حمزة الطبري يفرق بين العلل والأخبار ، فيقول في الخبر : الناقل أولى ، وفي العلل : إن المبقية فيها على العادة أولى من الناقلة فأما إذا كانت إحداهما مثبتة والأخرى نافية فقال الأستاذ أبو إسحاق وغيره : تقدم المثبتة ، قال : ويعبر عن هذا بتقديم الناقلة على المبقية للأصل على ما كان قال : وربما خلط في هذين من لا تحقيق له ، وهما يجريان على معنى واحد وقال الغزالي رحمه الله : قدم قوم المثبتة على النافية ، وهو غير صحيح ، لأن النفي الذي لا يثبت إلا شرعا كالإثبات ، وإن كان نفيا أصليا رجع إلى ما قدمناه في الناقلة والمقررة ، وقال الأستاذ أبو منصور : الصحيح أن الترجيح في العلة لا يقع بذلك ، لاستواء المثبت والنافي في الافتقار إلى الدليل قال : وإلى هذا القول ذهب أصحاب الرأي ، وهو كما قال وكأن من رجح به لاحظ إلحاقها بالخبر ، وبينهما فرق ، فإن مدار الترجيح في الأخبار على أن العقلية أشبه من الاختلاف ، ومدار الترجيح في العلل على غير ذلك من قوة المناسبة وتوفر الشواهد وهذا أجنبي عن النفي والإثبات ، فالحق - كما قال ابن المنير - إن قلنا : إن النفي فيها مستفاد من النفي الأصلي أن يلتمس الترجيح من خارج والصحيح أن النفي لا يكون مقتضى ، لأن العدم لا يقتضى كما لا يقتضي وقال ابن السمعاني : والصحيح أن التي تقتضي الحظر أولى من التي تقتضي الإباحة وقيل : هما سواء وإن كانت إحداهما تقتضي حدا والأخرى تسقطه ، أو توجب العتق والأخرى تسقطه ، فقيل : الموجبة للعتق والمسقطة للحد أولى ، لأن العتق

                                                      [ ص: 223 ] مبني على الاتساع والتكميل ، والحد مبني على الإسقاط والدرء وقيل : على السواء ولو كانت إحداهما مبقية للعموم على عمومه ، والأخرى توجب تخصيصه قال القاضي في التقريب " فقيل : يجب ترجيح المبقية للعموم ، لأنه كالنص في وجوب استغراق الجنس ، ومن حق العلة أن لا ترفع النصوص ، فإذا أخرجت ما اشتمل عليه العام كانت مخالفة للأصول التي يجب سلامتها عنه وذهب الجمهور إلى أن المخصصة له أولى ، لأنها زائدة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية