الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 235 ] وسابعها - معرفة الناسخ والمنسوخ : مخالفة أن يقع في الحكم بالمنسوخ المتروك ولهذا قال علي رضي الله عنه ، لقاض : أتعرف الناسخ والمنسوخ ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت وكذلك معرفة وجوه النص في العموم والخصوص ، والمفسر والمجمل ، والمبين ، والمقيد والمطلق فإن قصر فيها لم يجز وثامنها - معرفة حال الرواة في القوة والضعف : وتمييز الصحيح عن الفاسد ، والمقبول عن المردود قال الشيخ أبو إسحاق والغزالي : ويقول على قول أئمة الحديث ، كأحمد والبخاري ومسلم والدارقطني وأبي داود ، لأنهم أهل المعرفة بذلك ، فجاز الأخذ بقولهم ، كما نأخذ بقول المقومين في القيم ، قال ابن دقيق العيد : وهذا مضطر إليه في الأحكام المبنية على الأحاديث التي هي في باب الآحاد ، فإنه الطريق الموصل إلى معرفة الصحيح من السقيم قال الصيرفي : ومن عرف هذه العلوم فهو في الرتبة العليا ، ومن قصر عنه فمقداره ما أحسن ، ولن يجوز أن يحيط بجميع هذه العلوم أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو متفرق في جملتهم والغرض اللازم من علم ما وصفت ما لا يقدر العبد بترك فعله وكلما ازداد علما ازداد منزلة قال الله تعالى : { وفوق كل ذي علم عليم } ، قال : والشرط في ذلك كله معرفة جمله لا جميعه حتى لا يبقى عليه شيء ، لأن هذا لم نره في السادة القدوة من الصحابة ، فقد كان يخفى على كثير ، من أدلة الأحكام فيعرفونها من الغير .

                                                      [ ص: 236 ] وقال الغزالي : وهذه العلوم التي يستفاد منها منصب الاجتهاد ، وعظم ذلك يشتمل على ثلاثه فنون : الحديث واللغة وأصول الفقه وقال الإمام : أهم العلوم للمجتهد أصول الفقه وشرط الغزالي والرازي أن يكون عارفا بالدليل العقلي وبأننا مكلفون وشرط الماوردي وإلكيا الطبري فيه الفطنة والذكاء ، ليصل بهما إلى معرفة المسكوت عنه من أمارات المنطوق ، فإن قلت فيه الفطنة والذكاء لم يصح وشرط الأستاذ أبو منصور والغزالي وإلكيا وغيرهم العدالة بالنسبة إلى جواز الاعتماد على قوله .

                                                      قالوا : وأما هو في نفسه إذا كان عالما فله أن يجتهد لنفسه ويأخذ باجتهاده لنفسه فالعدالة شرط لقبول الفتوى ، لا لصحة الاجتهاد وقضية كلام غيرهم أن العدالة ركن وقال الماوردي والروياني وابن السمعاني : إن قصد بالاجتهاد العلم صح اجتهاده وإن لم يكن عدلا ، وإن قصد به الحكم والفتيا كانت العدالة شرطا في نفوذ حكمه وقبول فتياه ، لأن شرائط الحكم أغلظ من شرائط الفتيا قال ابن السمعاني : لكن يشترط كونه ثقة مأمونا ، غير متساهل في أمر الدين قال : وما ذكره الأصحاب من عدم اشتراط العدالة مرادهم به ما وراء هذا واختلفوا في اشتراط تبحره في أصول الدين على وجهين حكاهما الأستاذ أبو إسحاق : ( أحدهما ) الاشتراط ، وهو قول القدرية و ( الثاني ) لا يشترط بل من أشرف منه على وصف المؤمن كفاه قال : وعلى هذا القول جل أصحاب كتب الحديث والفقه وغيرهم وأطلق الرازي عدم اشتراط علم الكلام ، وفصل الآمدي فشرط الضروريات ، كالعلم بوجود الرب سبحانه وصفاته وما يستحقه وجوب [ ص: 237 ] وجوده لذاته ، والتصديق بالرسول وما جاء به ، ليكون فيما يسنده إليه من الأحكام محقا ولا يشترط علمه بدقائق الكلام ولا بالأدلة التفصيلية وأجوبتها كالنحارير من علمائه .

                                                      وكلام الرازي محمول على هذا التفصيل واختلفوا في اشتراط التفاريع في الفقه والأصح أنه لا يشترط وإلا لزم الدور وكيف يحتاج إليها وهو الذي يولدها بعد حيازة منصب الاجتهاد ؟ ، فكيف يكون شرطا لما تقدم وجوده عليها وذهب الأستاذ أبو إسحاق وأبو منصور إلى اشتراطه وحمل على اشتراط ممارسته الفقه كما صرح به الغزالي فقال : إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان ، ولم يكن الطريق في زمن الصحابة وكلام الأستاذ أبي إسحاق يخالفه ، فإنه قال : يشترط معرفته بجمل من فروع الفقه يحيط بالمشهور وببعض الغامض كفروع الحيض والرضاع والدور والوصايا والعين والدين قال : واختلف أصحابنا في المتعلق بالحساب والصحيح أنه شرط ، لأن منها ما لا يمكن استخراج الجواب منه إلا بالحساب وكذلك قال الأستاذ أبو إسحاق : معرفة أصول الفرائض والحساب والضرب والقسمة لا بد منه والحاصل أنه لا بد أن يكون محيطا بأدلة الشرع في غالب الأمر ، متمكنا من اقتباس الأحكام منها ، عارفا بحقائقها ورتبها ، عالما بتقديم ما يتقدم منها وتأخير ما يتأخر وقد عبر الشافعي رحمه الله عن الشروط كلها بعبارة وجيزة جامعة فقال : " من عرف كتاب الله نصا واستنباطا استحق الإمامة في الدين " وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما بكل مسألة ترد عليه ، فقد سئل مالك عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين : لا أدري وكثيرا ما يقول الشافعي : لا أدري وتوقف كثير من الصحابة في مسائل وقال [ ص: 238 ] بعضهم : من أفتى في كل ما سئل عنه فهو مجنون وهذا كله في المجتهد المطلق .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية