الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث - الترجيح بحسب الأمور الخارجية وله أسباب أولها - اعتضاد أحد الخبرين بقرينة الكتاب كتقديم ( الحج والعمرة فريضتان ) على رواية ( العمرة تطوع ) لموافقته لحكم القرآن من كتاب الله تعالى ، وهو قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } . وهذا قاله الشافعي فعارضه القاضي وقال : وقوله أتموا " دليل مستقل . ونحن نقول للقاضي : يجوز الترجيح بالمستقل وإن منعناه لكنا أخذنا من المستقل وصفا في الدليل ، وهو تراخي النظم . وكان الشافعي يقول : ما وافق ظاهر الكتاب كانت النفوس أميل إليه ، والقاضي يقول : بل الذي [ ص: 203 ] يخالف ظاهر الكتاب لا ينقل ما نقل إلا عن زيادة الثبت .

                                                      وما ذكره القاضي أقرب إلى قياس الأصول ، وما ذكره الشافعي أوفق للعرف وهو المعتبر . وقال إمام الحرمين : ما ذكروه عن الشافعي فيه نظر ، فإن إتمام الحج ليس فيه تعرض للابتداء ، وهما مفترقان في وجوب إتمامهما بعد الشروع فيهما . قال : ولم يذكر هذا لأن الشافعي ذكره متنمقا بإيراد كلامه : ونحن نقول للإمام : الإتمام يطلق تارة على أصل الفعل وعلى إتمامه بعد الشروع فيه ، لكن المراد هنا الأول ، فإن الآية نزلت في عام الحديبية ولم يكن صلى الله عليه وسلم محرما بالحج حتى يؤمر بإتمامه . ومن مثله التغليس بالفجر ، فإنه موافق لقوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } . وكترجيح حديث ابن عباس في التشهد ، لموافقته لقوله : { تحية من عند الله مباركة طيبة } ، وترجيح حديث عائشة في البكاء على الميت ، لقوله : { لا تزر وازرة وزر أخرى } وهذا يستعمله الشافعي كثيرا ، وبنى عليه هذه الأصول .

                                                      وكذا قدم حديث خوات في صلاة ذات الرقاع على رواية [ ص: 204 ] ابن عمر ، لأجل الحذر المأمور به في القرآن ، وجعله في المنخول " من أصله ، فوافق الأصول ، لأن رواية خوات ، الأفعال فيها قليلة ، قال : وقال القاضي للشافعي : إن كنت تتهم ابن عمر بحيده عن القياس فمحال ، وليس القياس مناسبا لمأخذ الدليل حتى يقدح فيه . وإن قلت : إن الغالب على الرسول الجري على قياس الأصول فيعارضه أن الغالب أن الناقل عن القياس يكون أثبت في الرواية من المستمر عليه . ولهذا تقدم شهادة الإبراء على شهادة أصل الدين . قال إلكيا : وما ذكره الشافعي أوجه في مطرد العادة والعرف ولا يظهر للمسألة فائدة في الحكم ، وإنما الخلاف في الطريق ، وهذا الخلاف بين الشافعي والقاضي فيما يرجع إلى النص ، أما إذا تعارض ظاهران واعتضد أحدهما بقياس فلا شك أن الذي لم يتجه فيه تأويل متأيد للقياس لا يبالى به . ولو تعارض قياسان عاضدان للتأويل وأحدهما أجلى قدم الأجلى ، ولو تعارض ظاهران أو نصان وأحدهما أقرب إلى الاحتياط فالقاضي يرى تعارضهما أخذا مما تقدم ، والشافعي يرى تقديم الأحوط ، لأنه أقرب إلى مقصود الشارع ، كرواية خوات مع ابن عمر ، وكإحدى الآيتين إذا تضمنت إحداهما تحليلا والأخرى تحريما . وقد قال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية . فلا يتجه في ذلك إلا الحكم بالاحتياط . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية