الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ثانيها - أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط بأن يقتضي الحظر ، والآخر الإباحة ، فيقدم مقتضى الحظر ، لأن المحرمات يحتاط لإثباتها ما أمكن ، ولحديث : { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } قال الشيخ في اللمع وابن برهان : هذا هو الصحيح . وقيل : يرجح المقتضي للإباحة ، لأنها تستلزم ( نفي الحرج ) الذي هو الأصل ، واختاره القاضي عبد الوهاب في الملخص " وأشار الآمدي إلى القول به بحثا ، وحكاهما الشيخ أبو إسحاق وجهين . وقال القاضي والإمام والغزالي : يتساويان ، فلا يقدم أحدهما على الآخر ، لأنهما حكمان شرعيان صدق الراوي فيهما على وتيرة واحدة ، [ ص: 196 ] وصححه الباجي ونقله عن شيخه القاضي أبي جعفر . وصور في الحاصل " المسألة بأن يقتضي العقل حرمة وإباحة ما أباحه أحد الخبرين ، وحرمه الآخر .

                                                      ثم نقل فيه التساوي ، ثم قال : لا يستقيم ذلك على أصلنا العازل للعقل عن أحكام الشرع . أما على أصل المعتزلة فنعم . وقال سليم : إن كان للشيء أصل إباحة وحظر ، وأحد الخبرين يوافق ذلك الأصل ، والآخر بخلافه ، كان الناقل عن ذلك الأصل أولى ، كتقديم الخبر في تحريم النبيذ . وإن لم يكن له أصل من حظر ولا إباحة فيرد خبر يقتضي الإباحة ، وآخر الحظر ، فوجهان : ( أحدهما ) أن الحظر أولى للاحتياط ، ولأن الحرام يغلب . و ( الثاني ) أنهما سواء لأن تحريم المباح كتحليل الحرام ، فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر .

                                                      وقد روينا في المعجم الكبير للطبراني عن محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحمامي ، حدثنا موسى بن محمد الأنصاري ، عن يحيى بن الحارث التميمي ، عن أم معبد مولاة قرظة بن كعب قال ، أي نبي الله صلى الله عليه وسلم : { إن المحرم ما أحل الله كالمستحل ما حرم الله } والله أعلم .

                                                      وقال إلكيا : إن كانت الإباحة هي الأصل فالحظر أولى ، وهذا ليس من المتعارض ، فنقدم الإباحة على طريان الحظر ، فكأن الإباحة في حكم المنسوخ . وإن كان الحظر هو الأصل فالأخذ بالإباحة أولى . أما إذا تعارضا ولم يعلم أصل أحدهما فهو موضع التوقف : [ ص: 197 ] فذهب عيسى بن أبان إلى أن الحظر يرجح ، وقيل : إنه مذهب الكرخي ، لأن الحرام يغلب . - وقال أبو هاشم : يستحيل ورود الخبرين في الحظر والإباحة ولا يمكن تقدير المستحيل . ثم قال إلكيا : والحق ما قاله أبو هاشم إذا أمكن من تعارضهما من هذا الوجه والرجوع إلى وجه آخر في الترجيح إما من حيث الاحتياط إذا أمكن القول به في الترجيح على ما بيناه ، أو بوجه آخر قدمناه . فائدة من أمثلة هذا القسم أن القاضي بكارا والمزني اجتمعا في جنازة ، وكان القاضي يريد أن يسمع كلام المزني ، فسأل بعض أصحابه المزني فقال : يا أبا إبراهيم ، جاء في الأحاديث تحريم النبيذ ، وجاء تحليله ، فلم قدمتم التحريم على التحليل ؟ فقال المزني : لم يذهب أحد من العلماء إلى أن النبيذ كان حراما في الجاهلية ثم نسخ ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا . فهذا يعضد صحة الأحاديث بالتحريم ، فاستحسن ذلك منه . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية