الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      النوع الثالث : أن يكون أحدهما عاما والآخر خاصا ، كقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } مع قوله : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } ففيه الأقسام الثلاثة . فإن كانا معلومين فإن علم تقدم العام وتأخر الخاص ، فأطلق في المحصول " وغيره أن الخاص يكون ناسخا ، أي : العام في ذلك الفرد الذي تناوله الخاص . وهذا حكاه الشيخ في اللمع " عن بعض الأصحاب ، وقال : إنه بناء على أن تأخر البيان عن وقت الخطاب لا يجوز ، وهو قول المعتزلة . قال : والمذهب أن يقضي بالخاص على العام مطلقا . وقيل : يتعارضان ، وهو قول القاضي . وقالت الحنفية : إن كان الخاص مختلفا فيه والعام مجمعا عليه لم يقض به على العام . وإن كان متفقا عليه قضى به على العام . وقال الهندي : ما قال في المحصول " موضعه إذا ورد بعد مظنون وقت العمل بالعام ، فإن ورد قبل حضور وقته كان الخاص المتأخر مخصصا للعام [ ص: 161 ] المتقدم . وأما من لا يجوز تأخير بيان التخصيص عن وقت الخطاب فعنده في الصورتين يكون الخاص خاصا ، وعليه يحمل إطلاق المحصول " ، وبذلك صرح سليم في التقريب " .

                                                      وإن علم تقدم الخاص فعندنا يبنى العام على الخاص ، وعند الحنفية : ينسخه ، وإن علم مقارنتهما فيكون الخاص مخصصا للعام . وإن جهل يبنى العام على الخاص عندنا ، وعندهم يتوقف فيه . وقال سليم : الحكم في المسألتين - أعني المقارنة وجهل التاريخ - أن يبنى العام على الخاص . وقال عيسى بن أبان والكرخي : إن علم للصحابة فيه استعمال عمل به ، وإلا وجب التوقف . وإن كانا مظنونين فالحكم فيه كما كانا معلومين . إن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا قال الإمام : فهاهنا اتفقوا على تقديم المعلوم على المظنون ، إلا إذا كان المعلوم عاما والمظنون خاصا ووردا معا ، وذلك مثل تخصيص الكتاب والخبر المتواتر بخبر الواحد والقياس . قال الهندي : وهو غير مرضي ، لإشعاره بأن ذلك يختص بحالة ورودهما معا ، لكنه ليس كذلك لأمرين : ( أحدهما ) : لو تأخر الخاص المظنون عن العام المعلوم ، وكان قبل حضور وقت العمل بالعام المعلوم ، كان أيضا مخصصا وكان اختلاف الناس فيه كما في المتقارنين . نعم ، يستقيم ذلك على مذهب المعتزلة . و ( ثانيهما ) : لو تقدم الخاص المظنون على العام المعلوم فإنه يبنى العام عليه عندنا ، وهو تقديم الخاص المظنون على العام المعلوم ، مع أنهما لم يردا معا . وحينئذ فالحكم في هذا تقديم المعلوم على المظنون إلا في هذه الصور الثلاث : الصورة التي ذكرها الإمام ، والصورتين اللتين ذكرناهما . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية