[ ص: 250 ] فاختلفوا فيه على أربعة مذاهب : - فذهب الجمهور إلى وقوعه مطلقا ، ومنهم وأما وقوعه الآمدي قال وابن الحاجب الماوردي : وتدل عليه قصة سليمان وداود ، { : أرأيت لو تمضمضت لعمر } ، { وقوله له : إلا الإذخر فقال : إلا الإذخر العباس } فلو كان بالوحي لما تأخر الاستثناء - ومنهم من أنكر وقوعه مطلقا - ومنهم من فصل فقال : كان لا يجتهد في القواعد ، وكان يجتهد في الفروع ، كقوله : { وقول } واختاره في المنخول " - ومنهم من توقف واختاره أرأيت لو تمضمضت القاضي ، فقال في المستصفى " : وهو الأصح ، فإنه لم يثبت فيه قاطع والمنكرون للوقوع قالوا : السنة كلها وحي ولكنه لا يتلى ، والقرآن وحي يتلى وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ ص: 251 ] { } ، وفي حديث { ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه } وهو حديث صحيح وهو دليل قطعي على أن الذي سأله عن العمرة فأخذه ما كان يأخذه عند نزول الوحي ثم سري عنه فقال : اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك وهو أخذ نزول الوحي وأعظمها وصرح السنة كانت تنزل كما ينزل القرآن رحمه الله في الرسالة " بأن السنة منزلة كالقرآن وفي الحديث : { الشافعي } والمسألة متجاذبة ، وليس فيها كثير فائدة ، فإنه على كل حال يجب الأخذ بها وطاعتها كالقرآن ومن أقوى أدلة القائلين بالوقوع قوله : { بلغوا عني ولو آية } عقيب ما قيل له : إلا الإذخر ، ونحو ذلك وليس قاطعا لاحتمال أن يكون أوحى إليه في تلك اللحظة وادعى إلا الإذخر القرافي في أن محل الخلاف في الفتاوى ، وأن الأقضية يجوز فيها بلا نزاع وفيه نظر ، لما سيأتي وقال في المعتمد " : إن أريد باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم الاستدلال بالنصوص على مراد الله ، فذلك جائز قطعا ، وإن أريد به الاستدلال بالأمارات الشرعية : فإن كان أخبار آحاد فلا يتأتى منه عليه السلام ، وإن كانت أمارات مستنبطة وهي التي يجمع بها بين الأصل أبو الحسين
[ ص: 252 ] والفرع فهو موضع الخلاف في أنه هل كان يجوز له أن يتعبد به عليه ؟ والصحيح جوازه فروع الأول - إذا جوزنا ، فهل كان يجب عليه ؟ فيه وجهان حكاهما في تعليقه " في الأقضية ، وصحح الوجوب وكذا حكاهما ابن أبي هريرة الماوردي في الأقضية ثم قال : والأصح عندي التفصيل بين حقوق الآدميين فيجب عليه ، لأنهم لا يصلون إلى حقوقهم إلا بالاجتهاد ، ولا يجب في حقوق الله الثاني - ؟ على وجهين حكاهما إذا اجتهد فهل يستبيح الاجتهاد برأيه أو يرجع فيها إلى دلائل الكتاب الماوردي أيضا ، أحدهما : أنه يرجع في اجتهاده إلى الكتاب ، لأن سننه أصل كالكتاب .
وقال الغزالي : يجوز ، وعلى كل فرع أجمعت الأمة على إلحاقه بالأصل ، قال : لأنه صار أصلا بالإجماع والنص فلا يعطى إلى مآخذهم الثالث - إذا جوزنا له الاجتهاد فالمختار أنه لا يتطرق الخطأ إلى اجتهاده ، لأنه لو جاز لوجب علينا اتباعه فيه ، وهو ينافي كونه خطأ والمسألة قد نص عليها القياس على الفرع الذي قاسه النبي صلى الله عليه وسلم في الأم " فقال في كتاب الإقرار : والاجتهاد في الحكم بالظاهر ، ولن يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله وسنة رسوله الذي عصمه الله من الخطأ وبرأه الله منه فقال : { الشافعي وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } فأما من رأيه خطأ وصواب فلن يؤمر أحد باتباعه ، انتهى وقال : هو معصوم في اجتهاده كما هو معصوم في خبره وحكاه ابن فورك عن أصحابنا وقال الأستاذ أبو منصور الهندي إنه الحق عندنا ، وممن [ ص: 253 ] جزم به الحليمي في شعب الإيمان " فقال في خصائص الأنبياء : ومنها العصمة من الخطأ في الاجتهاد وخصوا بأدلاء حتى تتسع الضروب من الاستنباط فيما أوحي إليه وإذا تفاوتت العلماء من أجله في ذلك فالنبي هو الذي أعلم العلماء أولى بالارتقاء فيه ، وقد قال بعضهم : أن عامة سنن الرسول ترجع إلى القرآن ومعلوم أن ذلك لا يقف عليه العلماء وإن بذلوا الجهد فيه فهو إذا يفهمه عليه الصلاة والسلام فهما لا يبلغه فهم غيره عليه الصلاة والسلام . انتهى .
وقيل : يجوز بشرط أن لا يقر عليه وهو اختيار في اللمع " وحكاه الشيخ أبي إسحاق ابن برهان عن أكثر أصحابنا في أعلام الحديث عن أكثر العلماء ، وجعله عذرا والخطابي في الكتاب الذي أراد النبي أن يكتبه ، وارتضاء لعمر الرافعي في العدد ، في الكلام عن سكنى المعتدة عن الوفاة ، وكذا في الإحكام " قال : { ابن حزم إذ أنزلت عبس بابن أم مكتوم } كفعله قلت : وهو قول لا نور عليه وقول أنه المختار غير صواب ولا خلاف أنه لا يجوز التقرير عليه [ ص: 254 ] وقال ابن الحاجب الماوردي والروياني في كتاب القضاء : اختلف أصحابنا في على وجهين : أحدهما : أنهم معصومون ، وهو مقتضى الوجه القائل بأنهم لا يجتهدون إلا عن دليل ونص و ( الثاني ) المنع ، لكن لا يقرهم الله عليه ليزول الارتياب به ، وإن جاز أن يكون غيرهم من العلماء مقرا عليه ، وهو مقتضى الوجه القائل بأنه يجوز أن يجتهد بالرأي من غير استدلال بنص وقالا : قال عصمة الأنبياء من الخطأ في الاجتهاد : نبينا عليه الصلاة والسلام معصوم في الاجتهاد من الخطأ دون غيره من الأنبياء لأنه لا نبي بعده يستدرك بخلاف غيره من الأنبياء ابن أبي هريرة قلت : وهكذا رأيته في تعليقه " في الأقضية فحصل في عصمتهم في الاجتهاد مذاهب : ( ثالثها ) : نبينا فقط وقال الماوردي : وهذا لا وجه له ، لأن جميع الأنبياء غير مقرين على الخطأ في وقت التنفيذ ، ولا يمهلون على التراخي حتى يستدركه من بعدهم قلت : وهو قول حكاه ، وهو أفسد الأقوال ، وقيل : الخلاف في غير أمور الدنيا ، أما أمور الدنيا فيجوز على الكل ، لحديث التلقيح . القاضي عياض