الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6404 ) مسألة : قال : ( وإذا خرجت إلى الحج فتوفي عنها زوجها ، وهي بالقرب ، رجعت لتقضي العدة ، فإن كانت قد تباعدت ، مضت في سفرها ، فإن رجعت وقد بقي من عدتها شيء ، أتت به في منزلها ) وجملته أن المعتدة من الوفاة ليس لها أن تخرج إلى الحج ، ولا إلى غيره . روي ذلك عن عمر ، وعثمان ، [ ص: 134 ] رضي الله عنهما . وبه قال سعيد بن المسيب ، والقاسم ، ومالك ، والشافعي ، وأبو عبيد وأصحاب الرأي ، والثوري .

                                                                                                                                            وإن خرجت ، فمات زوجها في الطريق ، رجعت إن كانت قريبة ; لأنها في حكم الإقامة ، وإن تباعدت ، مضت في سفرها . وقال مالك : ترد ما لم تحرم . والصحيح أن البعيدة لا ترد ; لأنه يضر بها ، وعليها مشقة ، ولا لها من سفر وإن رجعت . قال القاضي : ينبغي أن يحد القريب بما لا تقصر فيه الصلاة ، والبعيد ما تقصر فيه ; لأن ما لا تقصر الصلاة فيه أحكامه أحكام الحضر . وهذا قول أبي حنيفة ، إلا أنه لا يرى القصر إلا في مسيرة ثلاثة أيام . فقال : متى كان بينها وبين مسكنها دون ثلاثة أيام ، فعليها الرجوع إليه ، وإن كان فوق ذلك لزمها المضي إلى مقصدها ، والاعتداد فيه إذا كان بينها وبينه دون ثلاثة أيام ، وإن كان بينه وبينها ثلاثة أيام ، وفي موضعها الذي هي به موضع يمكنها الإقامة فيه ، لزمها الإقامة ، وإن لم يمكنها الإقامة ، مضت إلى مقصدها .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : إن فارقت البنيان ، فلها الخيار بين الرجوع والتمام ; لأنها صارت في موضع أذن لها زوجها فيه ، وهو السفر ، فأشبه ما لو كانت قد بعدت . ولنا ، على وجوب الرجوع إذا كانت قريبة ، ما روى سعيد ، ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن المسيب قال : توفي أزواج ، نساؤهن حاجات أو معتمرات ، فردهن عمر من ذي الحليفة ، حتى يعتددن في بيوتهن . ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن يبعد سفرها ، فلزمها ، كما لو لم تفارق البنيان . وعلى أن البعيدة لا يلزمها الرجوع ; لأن عليها مشقة وتحتاج إلى سفر في رجوعها ، فأشبهت من بلغت مقصدها .

                                                                                                                                            وإن اختارت البعيدة الرجوع ، فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها قبل انقضاء عدتها ، ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر ، فلها المضي في سفرها ، كما لو بعدت ، ومتى رجعت ، وقد بقي عليها شيء ، من عدتها ، لزمها أن تأتي به في منزل زوجها ، بلا خلاف نعلمه بينهم في ذلك ; لأنه أمكنها الاعتداد فيه ، فلزمها كما لو لم تسافر منه . ( 6405 ) فصل : ولو كانت عليها حجة الإسلام ، فمات زوجها ، لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج ; لأن العدة في المنزل تفوت ، ولا بدل لها ، والحج يمكن الإتيان به في غير هذا العام .

                                                                                                                                            وإن مات زوجها بعد إحرامها بحج الفرض ، أو بحج أذن لها زوجها فيه ، نظرت ; فإن كان وقت الحج متسعا ، لا تخاف فوته ، ولا فوت الرفقة ، لزمها الاعتداد في منزلها ; لأنه أمكن الجمع بين الحقين ، فلم يجز إسقاط أحدهما ، وإن خشيت فوات الحج ، لزمها المضي فيه . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يلزمها المقام وإن فاتها الحج ; لأنها معتدة ، فلم يجز لها أن تنشئ سفرا ، كما لو أحرمت بعد وجوب العدة عليها . ولنا ، أنهما عبادتان استويا في الوجوب ، وضيق الوقت ، فوجب تقديم الأسبق منهما ، كما لو كانت العدة أسبق ; ولأن الحج آكد ; لأنه أحد أركان الإسلام ، والمشقة بتفويته تعظم ، فوجب تقديمه كما لو مات زوجها بعد أن بعد سفرها إليه .

                                                                                                                                            وإن أحرمت بالحج بعد موت زوجها ، وخشيت فواته ، احتمل أن يجوز لها المضي إليه ; لما في بقائها في الإحرام من المشقة ، واحتمل أن يلزمها الاعتداد في منزلها ; لأن العدة أسبق ; ولأنها فرطت وغلطت على نفسها ، فإذا قضت العدة ، [ ص: 135 ] وأمكنها السفر إلى الحج ، لزمها ذلك ، فإن أدركته ، وإلا تحللت بعمل عمرة ، وحكمها في القضاء حكم من فاته الحج ، وإن لم يمكنها السفر ، فحكمها حكم المحصر ، كالتي يمنعها زوجها من السفر . وحكم الإحرام بالعمرة كذلك ، إذا خيف فوات الرفقة أو لم يخف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية