الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( جزا ) في حديث الضحية : " لا تجزي عن أحد بعدك " أي لا تقضي . يقال جزى عني هذا الأمر : أي قضى .

                                                          * ومنه حديث صلاة الحائض : " قد كن نساء رسول الله يحضن ، فأمرهن أن يجزين " أي يقضين . ومنه قولهم : جزاه الله خيرا : أي أعطاه جزاء ما أسلف من طاعته . قال الجوهري : وبنو تميم يقولون : أجزأت عنه شاة ، بالهمز : أي قضت .

                                                          * ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : " إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك " ويروى بالهمز .

                                                          * ومنه الحديث : " الصوم لي وأنا أجزي به " قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث ، وأنه لم خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل ، وإن كانت العبادات كلها له وجزاؤها منه ، وذكروا فيه وجوها مدارها كلها على أن الصوم سر بين الله والعبد لا يطلع عليه سواه ، فلا يكون العبد صائما حقيقة إلا وهو مخلص في الطاعة ، وهذا وإن كان كما قالوا فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سر الطاعة ، كالصلاة على غير طهارة ، أو في ثوب نجس ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لا يعرفها إلا الله وصاحبها . وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عز وجل - من صلاة ، وحج ، وصدقة ، واعتكاف ، وتبتل ، ودعاء ، وقربان ، وهدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات - قد عبد المشركون بها آلهتهم ، وما كانوا يتخذونه من دون الله أندادا ، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم ، ولا تقربت إليها به ، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع ، [ ص: 271 ] فلذلك قال الله عز وجل : الصوم لي وأنا أجزي به : أي لم يشاركني أحد فيه ، ولا عبد به غيري ، فأنا حينئذ أجزي به ، وأتولى الجزاء عليه بنفسي ، لا آكله إلى أحد من ملك مقرب أو غيره على قدر اختصاصه بي .

                                                          وفيه ذكر : " الجزية " في غير موضع ، وهي عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة ، وهي فعلة ، من الجزاء ، كأنها جزت عن قتله .

                                                          * ومنه الحديث : " ليس على مسلم جزية " أراد أن الذمي إذا أسلم وقد مر بعض الحول لم يطالب من الجزية بحصة ما مضى من السنة . وقيل أراد أن الذمي إذا أسلم وكان في يده أرض صولح عليها بخراج توضع عن رقبته الجزية وعن أرضه الخراج .

                                                          * ومنه الحديث : " من أخذ أرضا بجزيتها " أراد به الخراج الذي يؤدى عنها ، كأنه لازم لصاحب الأرض كما تلزم الجزية الذمي . هكذا قال الخطابي ، وقال أبو عبيد : هو أن يسلم وله أرض خراج فترفع عنه جزية رأسه وتترك عليه أرضه يؤدى عنها الخراج .

                                                          * ومنه حديث علي - رضي الله عنه - : " أن دهقانا أسلم على عهده ، فقال له : إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك ، وإن تحولت عنها فنحن أحق بها " .

                                                          وحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : " أنه اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها " قيل إن اشترى هاهنا بمعنى اكترى ، وفيه بعد ; لأنه غير معروف في اللغة . قال القتيبي : إن كان محفوظا ، وإلا فأرى أنه اشترى منه الأرض قبل أن يؤدي جزيتها للسنة التي وقع فيها البيع ، فضمنه أن يقوم بخراجها .

                                                          ( هـ ) وفيه : " أن رجلا كان يداين الناس ، وكان له كاتب ومتجاز " المتجازي : المتقاضي يقال : تجازيت ديني عليه : أي تقاضيته .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية