الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - فضل اللغة العربية على اللغات الأجنبية

              أعطت اللغة العربية اللغات الأجنبية ألفاظا وآدابا وعلوما كثيرة جدا، فالكلمات العربية في لغات الشعوب الإسلامية: (الفارسية والتركية والأردية والمالاوية والسنغالية) أكثر من أن تحصى، كما توجد كلمات عربية في الإسبانية والبرتغالية، وإن كان معظمه قد تشوه على الألسنة، ثم في الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية.

              وفي جميع اللغات ألفاظ من العربية أكثر مما أخذته العربية من غيرها، ولكن العرب أخذوا ما أخذوا من غيرهم، قصدا أو عفوا، ثم وسعوا ذلك وطوروه، فعاد الأجانب من غير المسلمين فيما بعد واقتبسوا من العرب المسلمين أشياء كثيرة.

              أخذ الأجانب عن العرب أشياء كثارا من ألفاظ اللغة. ومع أن عددا من هـذه الألفاظ كان العرب قد أخذوه عن غيرهم ( من أمثال ذلك: السكر، [ ص: 101 ]

              القرمز وهو الأحمر الشديد الحمرة من الألوان، الياسمين، وغيرها) غير أن الغربيين قد أخذوا هـذه الألفاظ من طريق العرب، ويندر أن تكون هـنالك لغة ليس فيها لفظ السكر مأخوذا من العربية.. ومثل السكر «القند» وهو أيضا للسكر، وقد أخذه العرب عن الترك، فاستعاره الإفرنج من العرب، فقال الإنكليز: «كاندي» (بمد الألف وقصر الياء) . وكذلك أخذ الفرنسيون هـذا اللفظ فقالوا أيضا: كاندي (بقصر الألف ومد الياء) . والألمان قالوا فيه: «كاند يسكر»، فجمعوا الكلمتين: قند + سكر معا. وأما الهولنديون فقالوا: «كانداي» (بياء أخيرة ساكنة) أما الإيطاليون فقالوا: «كانديتو» [1] .

              وهناك آداب أجنبية نشأت من الاحتكاك بالعرب وآدابهم، فشعر الشعراء «التروبادور» (الفرنسي القديم) ، نشأ بالاحتكاك بالأدب العربي في الأندلس وفي الشرق العربي (في إبان الحروب الصليبية) . والألمان تأثروا بالأدب العرب لما خرجوا من جاهليتهم القديمة إلى لغتهم الحديثة. إنهم لما سموا أوائل شعرائهم في العصر الحديث «منـزانكر» جمعوا إلى كلمة «زانغر» أي شعراء، كلمة «منة» بالعربية، ذلك لأنهم تأثروا أول ما تأثروا بالغزل العربي إذ رأوا أن رضا المرأة عن الرجل عند التغزل بها منة منها عليه [2] .

              ويسوق عمر فروخ ، رحمه الله، مقالا نشره في جريدة النهار اللبنانية عام 1974م أثبت فيه أن اللغات الأوربية، بإقرار مؤرخي الأدب الأوربي أنفسهم، لم تعرف الشعر الصحيح إلا بعد أن نقلت جمال المعاني وبراعة التعبير وطرافة [ ص: 102 ]

              الموضوع من الشعر العربي. وفي مقاله هـذا رد مقنع على من يقول: إن الموشحات الأندلسية العربية مأخوذة من الغناء الشعبي الأوربي الأجنبي [3] .

              - اللغات الأعرابية

              يؤكد عمر فروخ ، رحمه الله، أن اللغة العربية هـي، عند التساهل الكبير، إحدى اللغات الأعرابية ، التي يقال لها خطأ: «اللغات السامية» ، وهو بذلك يخطئ من يقول: «اللغات السامية»، ويرى أن الصواب هـو: «اللغات الأعرابية»؛ لأنها نشأت في شبه جزيرة العرب ، ويعلل هـذا بقوله:

              «كان علماء اللغة يزعمون أن لغات البشر مقسومة ثلاثة أقسام: سامية وحامية ويافثية، نسبة إلى أولاد نوح الثلاثة: سام، وحام، ويافث.. هـذا مدرك خاطئ، فلا يجوز أن ينشأ ثلاثة أخوة في بيت واحد ثم يتكلمون ثلاث لغات. والصواب أن نسمي نحن اللغات العربية والحميرية والعبرية والآرامية والبابلية وأخواتها: «اللغات الأعرابية» لأنها كلها نشأت في شبه جزيرة العرب» [4] .

              - تطور اللغة

              اللغة عند عمر فروخ ، رحمه الله، كائن حي، ينشأ وينمو ويتطور ويشيخ ويموت.. ويلاحظ: أن تطور اللغة يستند إلى قواعد تكاد تشبه القوانين الطبيعية. واللغات تتطور بحسب الحاجات الداعية إلى ذلك التطور، فتتوسع في الألفاظ والتعابير والمعاني، ولكن اللغات لا تتبدل إذا كان من [ ص: 103 ]

              أهلها فرد جاهل أو أفراد جاهلون تصعب عليهم ألفاظ، أو يجهلون معاني ألفاظ، فيحتجون بحجج واهية، ويطلبون تغيير اللغة، فمن الأيسر على هـؤلاء أن يتعلموا اللغة، وذلك أهون من تبديلها.

              كما يلاحظ أن اللغة العربية ذات طاقة عظيمة وقدرة على الحياة، وهي عريقة في القدم، ولا تزال قادرة على التعبير عن كل شيء.. ولا تزال، برغم كل عداوة وإساءة إليها تحيا قوية زاهرة [5] .

              وانطلاقا من أن تطور اللغات، صعودا وهبوطا، يبدأ مع نشأة اللغة ثم لا يقف ما دامت اللغة تروى، حكاية أو كتابة، وأن اللغات لا تتبع في تطورها خطا منطقيا متصل المعالم، ولكنها تخضع في الفينة بعد الفينة لعوامل اجتماعية ونفسية تطرأ على غير نظام، يرى عمر فروخ ، رحمه الله، أن نتبع في لغتنا ما يلي:

              1- أن نقبل كل تطور داخلي في اللغة يجعل من كل مجموعة من الوجوه المتفقة فيما بينها قواعـد عامة، كأن تكون علامة الرفع واوا ونونا، أو ضمة ظاهرة أو مقدرة، ثم إننا نقبل الشواذ من ذلك الطور أيضا، تلك الشواذ التي هـي بقايا القاعدة الأصلية كالأسماء الخمسة، وكالواو في عمرو، وكالضمة والفتحة والكسرة التي تأتي قبل الهمزة في كلمة «امرئ».. في هـذا الصنف من الأحوال نقيس على القواعد العامة، ونقبل الشـواذ وحدها كما وردت، ولا نقيس عليها غيرها: إننا لا نعرب الراء قبل الهمزة في [ ص: 104 ]

              «مقرئ» كما نعربها اليوم في كلمة «امرئ» [6] ، ولا نلحق الواو بكلمة معن قياسا على الواو المرسومة والملفوظة في كلمة «عبدو» أو قياسا على الواو المرسومة غير الملفوظة في كلمة «عمرو».

              2- أن الأحوال التي شذت في الجاهلية، قريبا من الإسلام، قبل الاختلاط الواعي للعرب بغير العرب، نقبلها على أنها شواذ عن القاعدة: نقبلها وحدها كتأنيث كلمة ضوضاء (في معلقة الحارث بن حلزة ) وكمنع كلمة «أشياء» من الصرف، من غير أن نمنع كلمات غيرها قياسا عليها مثل كلمة أسماء التي هـي جمع اسم، وكلمة أبناء أو أزياء.

              3- أما المقيسات التي نشأت في العصر العباسي، والتي حكم الرواة فيها أقوال الرجال والمنطق، فيجب ألا تقيدنا إلا بمقدار مالها من نفع في الاستعمال.

              4- يجب ألا نحمل لغتنا على قواعد اللغات الأجنبية، فلغتنا قادرة على الحياة والبقاء بنفسها، وقادرة على تعريب ما هـي بحاجة إليه.

              5- نقبل كل المصطلحات العلمية والفنية، وإن كان بعضها بعيدا عن المعنى اللغوي المقصود، لأن الاستعمال هـو الذي سيقربها في النهاية من المعنى المراد، غير أننا يجب أن نتشدد في القياس الذي يدفع بالكلمات والتعابير إلى الاستعمال العام [7] . [ ص: 105 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية