الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مكانة عمر فروخ العلمية

              - جهوده العلمية

              - التدريس اشـتغل عمر ، رحمه الله، بالتدريس منذ تخرجه في الجامعة الأمريكية حتى وفاته - عدا دراسته في ألمانيا (1935-1937م) .. إنه لم يجد مهنة تفوق التدريس شرفا وقدسية، لذلك اختارها مهنة في حياته، ولم يفضل عليها شيئا آخر، بل رفض أن يتولى إدارة بعض مدارس جمعية المقاصـد الإسلامية، فتولى التدريـس بمدرسـة النجاح الوطـنية بنابلس (1928-1929م) وفي مـدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ببيروت (1929-1935م) و (1937-1961م) وذهب إلى العراق مدرسا للتاريخ الأموي والعباسي بدار المعلميـن العليا في بغـداد (1940-1941م) واختير أسـتاذا زائرا للتاريخ الأمـوي وتاريخ الأندلـس بجامعة دمشـق (1951-1960م) إلى جانب وجوده مدرسا بمدارس جمعية المقاصد، فمدرسا للتاريخ العربي في جانبه الحضاري، ولتاريخ العلوم عند العرب بجامعة بيروت العربية (1961-1987م) ، ومدرسا لتاريخ العلوم عند العرب في كلية التربية بالجامعة اللبنانية (1970-1971م) وعهد إليه بالإشراف على رسـائل الدراسـات العـليا في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية (1970-1982م) [1] . [ ص: 31 ]

              - الصحافة ظل عمر ، رحمه الله، يكتب في الصحف والمجلات خمسة وستين عاما، وأصدر مع إخوانه: عبد الله المشنوق ، وزكي النقاش ، ومحمد علي الحوماني ، والدكتور محمد خيري النويري ، وعارف أبي شقرا ، مجلة (الأمالي) في عام 1938م، وهي أسبوعية ثقافية، وكان عمر، رحمه الله، عمادها ولولبها، وتوقفت عن الصدور في عام 1941م، وعلل توقفها بأنه والقائمين عليها تعرضوا لضغوط؛ فالمفوضية العليا الفرنسية عرضت أن تقدم الورق مجانا -وكان ثمن الورق مرتفعا- وعرض آخرون غير ذلك. فقرر عمر، رحمه الله، وقف المجلة عن الصدور، ذلك لأن الذين يعرضون مساعداتهم اليوم سيطلبون «بدلا» منها غدا، ثم وجد أن الصحافة «رهان مع الزمن» يجب أن تسابق الشمس في مسيرها حتى تظل أنت واقفا في وجه العواصف [2] .

              - ندوات القاسمي عرف الحقوقي الأديب ظافر أو محمد ظافر القاسمي [3] (1913-1984م) بقدرته المتميزة على إدارة الندوات وحسن اختيار الموضوعات. فسارعت قنوات التلفاز العربية إلى طلب سلاسل من الندوات يختار هـو موضوعاتها، ويلتقي من يشاركه فيها. وسجل مئات الندوات في لبنان والأردن والإمارات، وعرفت: «ندوات القاسمي» وخاض في ندواته في كل ميدان من ميادين العلم، فتحدث في الأدب والأدباء، والكتب والمؤلفين، وحقائق الدنيا والدين، وعقلاء هـذه الأمة من القدماء والمحدثين، وكان يختار لكل موضوع أكابر المختصين فيه، من أمثال الدكتور عمر فروخ ، [ ص: 32 ] والدكتور شكري فيصل ، والدكتور مازن المبارك ، والدكتور عبد الكريم الأشتر ، والأستاذ عاصم بهجة البيطار ، والدكتورة أمينة البيطار ، والدكتورة عزيزة مريدن وغيرهم، وكان عمر فروخ ، رحمه الله، علمها وباقرها، ولا تكاد ندوة تعقد بدونه، وكانت تلك الندوات من أمتع ما سمعه الناس [4] .

              - المجامع اللغوية والعلمية عرف عمر، رحمه الله، بالعلم الرائق والفضل الفائق، فضمته المجامع اللغوية والعلمية.. فقد انتخب عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة ، ومجمع اللغة العربية بدمشق ، والمجمع العلمي العراقي، وجمعية البحوث الإسلامية في بومباي بالهند ، والجمعية التاريخية بحلب ، فضلا عن كونه عضوا فرئيسا لجمعية البر والإحسان ببيروت (مجلس أمناء وقف البر والإحسان فيما بعد) وأحد ممثليه في مجلس جامعة بيروت العربية.

              - الابتعاد عن السياسة آثر عمر، رحمه الله، ألا ينغمس في نفاق السياسة رغم أرائه الصائبة، وآثر العمل بالتدريس وتربية الأجيال التي نهلت من معين علمه عاما بعد عام، ويقول:

              «أنا لا أحب أن أتكلم في السياسة؛ لأن الكلام في السياسة لا يفيد، والدليل على ذلك ما يقوله رجال السياسة عندنا في الصحف والراديو والتلفزيون من الحوار والوفاق والسلام، ووو.... والنتيجة ما نراه. إن رجال السياسة عادة -في كل مكان- يقولون ما لا يعنون؛ من أجل ذلك يقال في «علم السياسة»: إن اللغة لتستر أفكار السياسي لا لإيضاحها» [5] [ ص: 33 ]

              ويضرب لنا مثلا اتحاد الشبيبة الإسلامية ببيروت، بإخفاقه بعد أن اشتغل بالسياسة، فيذكر أنه كان عضوا فيها، وهي جمعية اجتماعية «تعمل في الحقل السياسي» (ولكنها ليست جمعية سياسية) ؛ إنها تبحث في شئون المسلمين من جميع النواحي، ولكن لا يجوز لأحد من أعضائها أن يقبل منصبا سياسيا، ثم إن جمعية اتحاد الشبيبة تطورت إلى «المجلس الإسلامي» مع تبديل يسير. وكان في قانون المجلس الإسلامي أنه لا يجوز لعضو من أعضائه أن يقبل منصبا سياسيا؛ وإذا ظهر أن هـذا المنصب ضروري للأمة، فيجب حينئذ أن تكون الموافقة بالإجماع. فلما كان العام 1964م عرض على حسين العويني رئاسة الوزارة (وكان رئيسا للمجلس الإسلامي) فلم يكن بد من أخذ الموافقة على ذلك بالإجماع، فصوت عمر ، رحمه الله، ضد الاقتراح، ولما أصر نفر من إخوانه على رأيهم، حل لهم المشكلة بأن غادر هـو الجلسة، ثم أعيد التصويت فنجح الاقتراع بإجماع الأعضاء الحاضرين [6] .

              فقال عمر ، رحمه الله: «من ذلك الحين دخل المجلس الإسلامي في السياسة المحلية، وخسر قدرته على (مراقبة المجرى السياسي في البلد) ثم رأيت أن استعفي من المجلس لأنني لا أرى أن أعمل في حقول السياسة المفلوحة بكل آلة، والمزروعة بكل أنواع النبات» [7] [ ص: 34 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية