الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - منهجه في دراسة الأعلام

              كان منهجه في دراسة الأعلام قائما على إنطاقها أو استنطاقها، وذلك بأن يجعل العالم أو الأديب أو الفيلسـوف الذي يدرسه يتكلم عن نفسـه ما أمكن، إذ يورد آراءه بكلامه هـو، أو يدرس خصائصه في المرتبة الأولى من كتبه هـو، لا من أقوال أصحاب التراجم، لتكون الآراء والأقوال أكثر دقة وأكثر تفصيلا. وقد يورد آراءه من خلال رسائله [1] .

              ويرى أن ننسب آراء الأعلام على وجهها، لا أن ننسب إليهم آراءنا نحن. إن نفرا كثيرين من الدارسين العرب يسلكون مذهبا مجانبا للصواب، يكتب قوم عن الفارابي أو عن المتنبي فـلا ترى في ما يكتبون إلا آراءهم، أما رأي الفارابي أو رأي المتنبي فيكون في غيابة من منازعهم هـم، وفي خيال من هـواهم هـم. [2]

              ويقول: «كان بيني وبين نفر من المؤلفين والدارسين خلاف دائم: أنا إذا درست شعر المعري أو نثر ابن المقفع ، أنطقت المعري في دراسة شعره، وأنطقت ابن المقفع في دراسة نثره. ولكن نفرا من الدارسين إذا درس شعر إيليا أبي ماض أقام نفسه محاميا عن أبي ماض» [3] . [ ص: 51 ]

              ويمتنع عن مشاركة الشخصية المدروسة أو مخالفتها الرأي إلا إذا كانت القضية بالغة الأهمية بالنسبة إليه. [4]

              ويحكم على الشاعر بشـعره، ولا يحكم على الشـعر بقائله، كما أنه لا يحكم على الشعر بزمنه بل بخصائصه. [5]

              ولا تمنعه صداقة أديب أو شاعر أن يكتب ما يراه صحيحا، كالذي نراه في دراسته لخصائص شعر إبراهيم طوقان ، إذ أبان عن التفاوت في شعره، في خصائصه اللغوية وخصائصه المعنوية، مع التعليل لهذا التفاوت» [6]

              ويبين أن دراسة الشخصية أو موازنتها بغيرها يحتاجان إلى إنصاف ونظر، ويضرب مثلا على ذلك موازنة الآمدي بين البحتري وأبي تمام ، فيذكر أن الآمدي غالى في حبه البحتري وتعصب له، وتحامل على أبي تمام، ويرى بذلك أن الاعتماد على كتاب (الموازنة) للآمدي في استخراج حسنات الشاعرين وسيئاتهما لا يرجع بكبير جدوى، ثم يقول: «والعلم والفن يحتاجان إلى إنصاف ونظر. ومن تتبع العيب لم يعجزه إيجاده، ومن طلب العذر لم يفته» [7] .

              ويذكر بأن المـوازنـة لا تكون بيـن المتنافريـن حيث الفرق بين، ولا المتقاربين حتى التماثل، إنما تكون بين اثنين جريا في عنان واحد، وانطلقا [ ص: 52 ] في سبيل واحدة، واتحدا في الهدف، ثم اختلفا في الإجادة، وتباينا في الأسلوب، وتفاضلا في المعاني [8] .

              وقد أجـاد عمر ، رحمه الله، في دراسـته الشاعرين: إبراهيم طوقـان وأبا القاسم الشابي في كتابه (شاعران معاصران) إذ أبان عن أوجه الشبه في حياتهما وشعرهما، وأبان أيضا عن أوجه الخلاف في حياتهما وشعرهما، من خلال ما عرفه من حياة هـذين الشاعرين، وما أدركه من خصائص شعرهما. [9]

              - أهمية الكتابة عن الأعلام

              كان من المؤمنيـن بضرورة كتابه التاريخ عن الأعـلام والعاملـين، لما لذلك من أهمية في كشف أسرار ومعلومات تاريخية مهمة، وفي رفع الغبن عنهم، فإن شطرا كبيرا من حضارتنا لا يظهر إلا من خلال كتب التراجم، وإن مصادر التاريخ الإسلامي على نهج الحوليات والحوادث العامة، كتاريخ الطبري، والبداية والنهاية، والكامل في التاريخ وغيرها، ليست هـي الصورة الكاملة لذلك التاريخ؛ لذا نراه يسلسل أعلام الأدب، والفكر، والسياسة، والدين، والفلسفة، كأنهم فلذات كبده أو إخوته وأعز أصدقائه.

              فأفرد كتبا للحديث عن أبي تمام، وبشار بن برد ، وأبي نواس ، والمعري ، وابن حزم ، وابن المقفع ، وابن الرومي ، والشابي .. وغيرهم، وأطنب في الحديث عن مئات الأعلام في متفرق كتبه. [ ص: 53 ]

              وعالج في الكتب المفردة بهؤلاء الأعلام آثارهم، بأسلوب جدي واضح، معتمدا على النصوص في المرتبة الأولى، مع الإشارة إلى مظانها في مصادر الثقافة.. ومع أنه قصد بها الدارسين وهم على عتبة التخصص، فإنها مفيدة للقارئ العام، كما أنها تضع في يد المتخصص منهاجا واضحا للتوسع في الدراسة.

              وفي دراساته عن هـؤلاء الأعـلام دقة في التفـكير، وصحة في التعبير، مما يحتاج إليه طالب الاختصاص، وهي بتنوع موضوعاتها تلبي طلب الأديب، وطالب العلم، ودارس الفلسفة؛ وتخط للدراسات المقبلة طريقا صحيحا؛ كما أنه توجز الجهود الماضية التي قام بها أساطين التاريخ ونقاد الأدب ورجال العلم.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية