الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - التجديد في المسلمين لا في الإسلام :

              يرى عمر فروخ ، رحمه الله، أن الإسلام ليس بحاجة إلى تجديد، ولكن المحتاج إلى التجدد والتجديد هـو جانب من المسلمين، وجانب كبير من فقهاء المسلمين [1]

              ويقول: «الجيد من كل شيء هـو القديم الذي يظل على الدهر جديدا.» [2] ، مبينا أن عمل المصلح الاجتماعي في الدين أن يقرب تعاليم الدين من أذهان الناس على طبقاتهم، لا أن يجعل من الدين نفسه حقل اختبار، كأنه بذلك ينشر على الناس في كل يوم دينا جديدا.. ثم إن التجديد الذي يحاوله المصلح في بيئته الاجتماعية إنما يتناول جانب المعاملات أو الصلات الاجتماعية بين البشر، وهي التي تتغير بتغير الأزمان؛ أما العبادات فإن الدين نفسه قد جعل لها نطاقا من الرخص، يلجأ إليها المؤمن بحسب الأحوال التي نص عليها الدين نفسه؛ وأما العقائد فإنها الأسس التي تجعل كل دين مختلفا من كل دين آخر، من حيث أصوله، ومن حيث انطباقه على الحياة.. والإسلام في هـذا أيسر الأديان وأقربها إلى العقول وإلى الحياة. [3]

              ويرد على الخطأ الذي يرتكبه بعض الكاتبين في (التجدد في الإسلام) ذلك الخطأ الذي جاءهم من نظرهم إلى الحركة الدينية والإصلاح البروتستانتي في مطلع العصور الحديثة، فأرادوا أن يجربوا تطبيق تلك الحركة [ ص: 71 ]

              على الإسلام، مع أن الموضوعين مختلفان جدا، فالقرآن الكريم كتاب منـزل، وصل إلينا كما نزل على رسول الله (.. أما التوراة والأناجيل الموجودة بأيدي الناس فهي من عمل الناس. فالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام مرفوعة أو منسية، وأما التوراة الموجودة اليوم بأيدي الناس فقد كتبت في زمن متأخر جدا عن أيام موسى. وكذلك الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام مرفوعا. وأما الأناجيل الأربعة الموجودة اليوم بأيدي الناس فقد اختارها رجال الكنيسة الكاثوليكية من بين أربع مائة إنجيل كتبها الناس في عهود مختلفة، بعد رفع الله عيسى [4]

              ويرى، بعد الدرس، أنه إذا كان التجديد في النصرانية ممكنا، فإن هـذا القول غير جائز في الإسلام.. فالمصلحون والمجددون النصارى، كانوا منذ مطلع النصرانية يجددون في الدين النصراني نفسه. أما في الإسلام فكان الإصلاح أو التجديد يتناول رد المسلمين إلى حقيقة الإسلام.

              كان المصلحون النصارى يريدون إنقـاذ الناس من قبضة الكنيسـة ورجـالها، أما المصلحون في الإسلام فكانوا يريدون أن يفهموا الناس -كلما انتكس الناس في جاهلية- حقيقة الإسلام [5] .

              ويلفت الانتباه إلى أن المصلحين المسلمين كانوا يحاولون أن يعودوا بالمسلمين إلى الطريق السوي، الذي كان المسلمون قد انحرفوا عنه في [ ص: 72 ]

              الفترات المتعاقبة، في العقيدة والعبادة والأخلاق والسياسة، فكانوا ينجحون في ما يقصدون إليه، ولكن ربما تأخر أثر أحدهم حينا. فالغزالي مثلا عرف باسم «حجة الإسلام» في زمانه، بينما لقي « ابن تيمية » في حياته اضطهادا شديدا، ولكن فضله ظهر وشيكا بعد موته، ثم مازال هـو يعد في طليعة المجددين في الإسلام [6]

              ويبين أن جميع الخلافات في المذاهب الإسلامية –وهي أبواب اجتهاد وليست فرقا تجعل من الدين الواحد أديانا كثيرة- هـي في المعاملات وفي تفسير أوجه العبادة، وليس فيها شيء يتعلق بالله تعالى ولا برسوله. أما في النصرانية فالخلاف يتعلق بالله مباشرة [7]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية