الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - التقدم العلمي وتخلف المسلمين

              كان عمر فروخ ، رحمه الله، حريصا، في كثير من كتبه، على تأكيد أهمية العناية بالعلوم الرياضـية والطبيعية، مـنوها بأن الحضـارة المعاصرة إنما قامت على العلم الرياضي والعلم الطبيعي، كما قامت على التنظيم والتخطيط. فعلى المسلمين أن ينالوا نصيبا وافيا من هـذه العلوم، وأن يشاركوا في السباق العلمي، أو بالقدرة على الاستفادة من نتائج هـذا السباق العلمي على الأقل.

              ولا شك في أن من بين المسلمين أفرادا يتمتعون بعبقرية علمية ملحوظة في عدد من البلاد الإسلامية نفسها، أو في المهاجر الأميريكية والأوربية، يبشرون بمستقبل زاهر، غير أن هـؤلاء لا ينفعون أمتهم بعبقريتهم العلمية ونشاطهم العلمي، بل ينفعون بهما بلادا غير بلدهم، وأقواما غير قومهم [1] .

              ولم يفته التنبيه أن الأمة تحتاج إلى العلوم الإنسانية وإلى العلوم الرياضية والطبيعية، وهو لا يرى خلافا على وجوب هـذه الحاجة المزدوجة، ولكن على النسبة بين وجهي هـذه الحاجة، فيرى أن الأمة تحتاج في كل قرن إلى بضعة شعراء منتشرين في ذلك القرن، ثم إلى مؤرخين أو ثلاثة مؤرخين، وإلى فيلسوف واحد في كل بضعة قرون، ثم هـي بلا شك تحتاج إلى عدد كبير من السياسيين، رجال الدولة والمفكرين القادرين على بناء الدولة [ ص: 76 ]

              والسير بها على طريق السلامة والعزة؛ وتحتاج الأمة إلى جانب ذلك إلى ألوف من المهندسين والأطباء والكيماويين والفيزيائيين وعلماء الفلك، وعلماء طبقات الأرض [2]

              كما كان ينبه على أنه ليس معاد للعلوم الإنسانية، وكان يرى أن يضطلع بتدريس الأدب أو التاريخ مثلا، الفرد الذي بلغ المستوى المطلوب من الاستعداد العقلي العام، ثم كانت له في بيئته عوامل واضحة للبراعة في هـذين الفنين، لا الفرد الذي قيل له: إنه غير مؤهل لدرس العلوم الرياضية والطبيعية فاختار أن يدرس العلوم الإنسانية لاعتقاده أن العلوم الإنسانية سهلة لينة [3] .

              ولما ألف عمر فروخ ، رحمه الله، كتابه (عبقرية العرب في العلم والفلسفة) لم يكن غايته من الكتاب أن يكون أحكاما براقة، وكلمات مرصوفة، فيكون تمدحا بالماضي وفخرا بالأجداد، ولكن غايته منه كانت أن يدل على مكانة العرب بما عرضه من آرائهم ومآثرهم ونظرياتهم، مقارنة قدر الإمكان بنظريات بعض علماء أوربا وفلاسفتها، فلعلنا نستطيع الوثوب إلى المستقبل وثبة صحيحة [4] .

              ويلاحظ قارئ كتابه هـذا أنه اقتصد اقتصادا شديدا في إثبات شهادات الأوربيين في «صحة ثقافتنا، وعظيم عبقريتنا، وبالغ أثرنا» لاعتقاده أن ذلك «مخدر مضر» يجب أن تمنع الأمم الناقهة من تناوله؛ ولعل كثيرا من جمل [ ص: 77 ]

              الإطراء والمديح للعرب قد قصد بها أصحابها إلهاء العرب عن حقيقة مركزهم، وتركهم في غمرة من هـذا الخيال التائه. ويتسـاءل: «ما يفيدنا -ونحن على ما نحن فيه– قول غوستاف لوبون الفرنسي: «ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب»؟ ذلك القول الذي أصبح لنا بمكان قصيدة عمرو بن كلثوم في بني تغلب ، حتى صح فينا ما قال الشاعر في بني تغلب أنفسهم:

              ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم » [5] .

              لذا كان منهجـه في هـذا الكتاب تبيان فضل العرب، بعرض جهودهم لا بالاستكثار من جمع الأقوال التي أثنى عليهم بها غيرهم.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية