الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - مدافعة التبشير والاستعمار

              اشتهر عمر فروخ ، رحمه الله، والدكتور مصطفى الخالدي بكتاب (التبشير والاستعمار) الذي سلخا من أجله عشر سنوات متتبعين التبشير وآثار المبشرين في أنحاء الوطن العربي، ولم يتعرضا للتبشير كحركة دينية يقع فيها التنازع، ولكنهما هـدفا إلى إبراز «الصلة الموجودة في معظم الأحيان بين التبشير في صوره المختلفة وبين التمهيد للنفوذ الأجنبي؛ ثم بين التبشير وبين تثبيت هـذا النفوذ في العالم العربي. والواقع أن هـذه الصلة موجودة وبارزة جدا» [1] .

              وتأكيدا لسلوك مؤلفي الكتاب وهدفهما من إصداره، كان إهداؤهما الكتاب على الصورة التالية:

              «إلى كل شاب مسلم وإلى كل شاب مسيحي؛ إلى كل شاب وشابة في الشرق؛ نقدم هـذا الكتاب؛ لنبسط لهم فيه وسائل المبشرين في بلادنا العزيزة، وأنهم لم يرموا من وراء تبشيرهم إلا خدمة الاستعمار الغربي».

              وجاء في مقدمة الطبعة الثالثة: «إن جميع ما خبرناه في السنوات العشر التي شهدت تنقل هـذا الكتاب بين الأيدي، يدل بجلاء على أن التبشير وسيلة [ ص: 61 ] إلى الاستعمار، وأن المبشرين ليسوا - سـواء أعلموا أم لم يعلموا، قصدوا أم لم يقصدوا- سوى طلائع لمطامع الاستعمار..».

              إن جميع ما ورد في الكتاب من تهم كبرى وحوادث بالغة الأهمية موثق توثيقا دقيقا، قال المؤلفان: «لقد حرصنا نحن على أن نثبت هـذه التهم الكبرى بشواهد من كتب المبشرين أنفسهم، تلميحا أو تصريحا، ولقد فضلنا في الاستشهاد التصريح على التلميح.

              أما الكتب التي رجعنا إليها ودرسناها فإنها تعيا على الحصر، إنها تعد بالمئات، ولكننا نحن لم نثبت الشواهد إلا من نوعين من هـذه الكتب الكثيرة: كتب المبشرين المعروفين، والكتب التي تصرح بغاياتها تصريحا لا التواء فيه ولا غموض» [2] .

              لقد ربط جهود المبشرين بالنتائج الدينية والسياسية التي أدت فعلا إلى الإضرار بالعالم الإسلامي، وفتح عيون القراء على أخطار التبشير ، ثم تنبيههم إلى الطرق التي يتلافون بها تلك الأخطار.

              ويصلح هـذا الكتاب أن يكون دليلا في يد الجيل الناشئ، يتتبع فيه جهود المبشرين وسعيهم إلى زعزعة عقيدة الناشئة الشرقية عامة، والإسلامية خاصة، ثم تهيئة هـذه الناشئة بأساليبهم المختلفة لقبول النفوذ الغربي والاستكانة إلى الاستعمار. [3] [ ص: 62 ]

              فقد بينا أن المبشرين هـم أصابع أممهم وعيون بلادهم، يحاولون دائما أن يثيروا الفتن والقلاقل في البلاد العربية والإسلامية، حتى تتمكن أممهم من السيطرة على المسلمين سياسيا واقتصاديا [4] .

              وربطا بين التبشير وبين سعي المبشرين لنشر العلم، والتطبيب المجاني، والأعمال الاجتماعية، ومؤتمرات الطلاب، والألعاب الرياضية، ونشر الكتب، وما إلى ذلك من أمور تخدم التبشير، وتتستر به، وأوضحا أن للمبشرين غاية أخرى من التعليم العالي هـي أن يؤثروا في قادة الرأي في البلاد وفي الجيل الناشئ في الشرق الأدنى خاصة، ذلك التأثير لا يمكن أن يتحقق إذا لم يكن ثمة تعليم عال [5] .

              ونبها أن الإحسان -وهو طريق التبشير- بعد الحرب العالمية الثانية أتخذ شكلا جديدا وطريقة جديدة، فقد أصبح مسـاعدات فنية للأمم المتخلفة، لم يبق من حاجة لبذله من طريق التبشير ما دام قد أصبح بذله ممكنا من طريق الحكومات المستعمرة نفسها، ولا غرو فإن التبشير لم يكن سوى وسيلة إلى الاستعمار، فما الفائدة إذن من الاحتفاظ بوسيلة إذا كان الاستعمار قد وجد خيرا منها [6] . [ ص: 63 ]

              أما الأسباب الحقيقية التي تصرف المسلم عن الانتقال من الإسلام إلى النصرانية –كما ذكرها المبشرون أنفسهم- فلم يتعرضا لها، ذلك لأنها تثير مشكلة عظيمة بين مواطنين في الشرق يعيشون على الأخوة والوداد، وهذا أبعد شيء عن غايتهما في هـذا الكتاب، وقالا: «إن لكتابنا هـدفا واحدا: نحن لا نريد أن نبرهن على أن رجال الدين الأجانب هـم المسئولون عن نكبات الشرق السياسية والخلقية، وعن الفتن التي كانت تثور بين أهل الأديان والمذاهب، وأن أهل الوطن الواحد على اختلاف أديانهم ومذاهبهم كانوا دائما ضحايا بريئة» [7]

              - الحروب الصليبية

              من الأمور التي أصبحت معروفة أن أسباب الحروب الصليبية كانت في ظاهرها دينية، غايتها تخليص بيت المقدس من يد المسلمين بينما كانت في حقيقتها سبيلا للسيطرة على الشرق الإسلامي بما فيه من خيرات اقتصادية ومراكز حربية.. ويرى عمر فروخ ، رحمه الله، وزميله أن الحروب الصليبية كانت أعظم مأساة نزلت بالصلات بين المسلمين والنصارى في الشرق الأدنى.. «لقد أحب الصليبيون أن ينتزعوا القدس من أيدي المسلمين بالسيف، ليقيموا للمسيح مملكة في هـذا العالم. إنهم لم يستطيعوا أن يقيموا تلك المملكة، ولكنهم تركوا بعدهم العداوة والبغضاء» [8] . [ ص: 64 ]

              - التبشير يتعاون مع الصهيونية

              استغل المبشرون ؛ الصهيونية ؛ لأنهم كانوا يتفقون معها في عدائهم للعرب والمسلمين. ولم يصر المبشرون على إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين، إلا لأن إنشاءه يضعف العرب إضعافا شديدا، ويفتح أبوابفلسطين العربية أمام التبشير؛ لأن فلسطين إحدى نقاط الهجوم على العالم العربي الإسلامي.

              ويتساءل المؤلفان: لماذا يفضل المبشرون أن تقوم دولة يهودية في فلسطين ، ولم هـم يخافون العرب ولا يخافون اليهود ؟

              فيجيبان برأي لورنس براون -وأكثر المبشرين على رأيه - أن القضية الإسلامية تختلف عن القضية اليهودية: إن المسلمين يختلفون عن اليهود في أن دينهم دين دعوة. إن الإسلام ينتشر بين النصارى أنفسهم وبين غير النصارى. [9]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية