الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - الترجمة أو النقل من لغة إلى أخرى

              الترجمة، أو النقل من لغة إلى لغة، كما يقول عمر فروخ ، رحمه الله، ليست أمرا يسيرا، إنها أصعب من التأليف، ففي التأليف يستطيع المؤلف أن يختار المعنى الذي يريده، وأن يعبر عنه باللفظ الذي يختاره، أما النقل فإن الناقل مقيد تقييدا شديدا بالنص الذي يكون أمامه.. مؤكدا أن للنقل من لغة إلى لغة أربعة شروط متلازمة:

              - براعة في اللغة المنقول منها. [ ص: 115 ]

              - براعة في اللغة المنقول إليها.

              - معرفة بالموضوع المنقول.

              - ثقافة عامة في موضوعات مختلفة [1] .

              ويشير إلى أن للنقل من لغة إلى لغة -منذ كان- طرائق عديدة، أصلها طريقتان:

              - الطريقة اللفظية، وهي أن يجيء الناقل إلى كل جملة من النص، الذي يريد نقله، فيضع فوق كل كلمة في النص الأصلي ما يقابله في اللغة التي يريد أن ينقل إليها ذلك النص، وكثيرا ما يلجأ الناقل اللفظي إلى المعجم يستخرج منه معاني الكلمات المطلوبة، وكان يشترط في هـذا النقل اللفظي أن يكون عدد الكلمات في النص الجديد من اللغة الثانية مثل عدد الكلمات في النص الأول.. وهذه الطريقة اللفظية يلجأ إليها واحد من ناقلين: ناقل غير ضليع من إحدى اللغتين أو منهما كليهما، فلا يثق بنفسه، بل يلقي تبعة ما يختار من الكلمات على المعجم. وأما ثاني ذينك الناقلين فهو الذي يعهد إليه بنقل أثر سام كالكتب المقدسة والوثائق الرسمية.

              - الطريقة المعنوية، وهي أن يقرأ الناقل النص كله قبل أن يبدأ النقل، حتى يستطيع أن يعرف منحى المؤلف الأصلي، واتجاه تفكيره، ونوع ألفاظه، وصورة تراكيبه، فإذا عاد الناقل ليبدأ عمله قرأ كل جملة تامة، ثم أدارها في ذهنه، حتى يوقن أنه قد فهم معناها ومرماها.. بعدئذ يختار لها الألفاظ التي تعبر عن مقصد الكاتب، لا عن تراكيبه فقط، ويسوق الجملة في اللباس [ ص: 116 ]

              العربي الموافق، وليس عليه أن يكون عدد الكلمات في جملته مثل عددها في النص الأصلي، أو أكثر، أو أقل [2] .

              وينبه على أن الخطأ إذا وقع في نقل كتب العلم فإن إصلاحه فيها يكون في العادة سهلا، أما إذا كان الخطأ في كتب التاريخ والدين والفلسفة فإن إصلاحه مستحيل. [3] ، مشيرا إلى صعوبة النقل أو الترجمة، في مجال الأدب بشكل خاص، ذلك أن الأدب الجيد يقوم على متانة التعبير، وعلى الصور البلاغية، من تشابيه واستعارات وكنايات، وهذه تختلف في اللغات المختلفة اختلافا كبيرا. فالقمر في العربية أبيض جميل فرح، وفي الإنكليزية أصفر شاحب؛ ثم هـو مؤنث في الإنكليزية والفرنسية، ومذكر في العربية والألمانية.. والشمس بعكس ذلك: مذكرة في الإنكليزية والفرنسية، ومؤنثة في العربية والألمانية. فأجزاء التشابيه والاستعارات في الشمس والقمر لا يمكن أن يكون واحدا في هـذه اللغات.. والحمار والكلب من صفات المدح في اليونانية والإنكليزية.. والذم في الإنكليزية إنما هـو التشبيه بالكلبة والجحش (ولد الحمار: الحمار الصغير) . ونحن نتشاءم بالبومة، والألمان يعدون البومة من علامات الفأل، فيضع أحدهم عند بابه صورة بومة، كما يضع قوم من الناس عندنا حدوة حصان فوق أبوابهم [4] .

              أما الشعر فنقله أصعب، أو مستحيل، لأنه لا يعير نفسه للنقل. فرباعيات الخيام مثلا نقلت إلى العربية كثيرا، كنقول أحمد حامد الصراف ، [ ص: 117 ]

              وأحمد الصافي النجفي ، ووديع البستاني ، وأحمد رامي ، وغيرهم، والفروق بين هـذه النقول مختلفة باختلاف مقدرة أصحابها، ولذلك فهي تـمثلهم هـم، ولا تمـثل عمر الخيام إلا بـما بقي فيها من المعاني الخاصـة بعمر الخيام. ولو كانت تلك النقول تمثل عمر الخيام لكانت كلها تعبيرا واحدا على مستوى واحد من الصحة والدقة والأثر في النفس [5] .

              لذلك يذهب عمر فروخ ، رحمه الله، إلى القـول: بأن قراءة الأدب لا تجوز إلا في لغته الأصلية، فلا تحدث الهزة في العاطفة إلا إذا قرأ الإنسان النص الأدبي في لغته.. أما النقول فتنقل إلينا المعاني المفردة والاتجاه الفكري العام. وإذا لم يكن الإنسان عارفا بلغة، فلا عليه أن يقرأ شيئا من أدب تلك اللغة بلغته هـو [6] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية