الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - الدفاع عن أبي العلاء المعري

              شاع في الأذهان أن أبا العلاء المعري كافر أو ملحد أو زنديق، إلا أن عمر فروخ ، رحـمه الله، ذهب إلى أن أبا العلاء مؤمـن بالله، وليس في كتبه كلها إلا ما هـو دعوة واضحة جازمة إلى الإيمان بالله تعالى، لا يزعزعها شيء؛ وأرجع اتهام الباحثين له بالكفر إلى أنهم تعلقوا بكل لفظ (والمعري يسوق أقواله في التعابير الحقيقية والتعابير المجازية) فأصدروا منه حكما باتا، أو أنهم استشهدوا ببيت منـزوع من لزومياته، ولذلك البيت أخ يبدل شيئا من معناه [1] .

              أما اتهام المعري بأنه عارض القرآن الكريم في كتاب (الفصول والغايات) فينتهي عمر فروخ ، رحمه الله، إلى القول: بأنه ليس بينه وبين القرآن نسب، وليس فيه إلا البراعة اللغوية التي امتاز بها المعري، [ ص: 124 ]

              ويقول عمر: «وما أظن أن المعري كان من الغفلة بحيث يحاول معارضة القرآن، ثم يعارضه بكتاب كل ما فيه مقطوع الصلة بموضوع القرآن.. وكذلك كان المعري أكثر تقوى لله، وأعظم احتراما للإسلام، وإعجابا بالإسلام، من أن يخطر ذلك له على بال» [2] .

              ويصف المعري بأنه كان ذا خشوع ديني.. فهو القائل:

              رددت إلى مليك الناس أمري فلم أسأل: متى يقع الكسوف؟     فكم سـلم الجهول من المنايا
              وعوجل بالحمام الفيلسوف

              وهو القائل:

              فإن سألوا عن مذهبي فهو خشية     من الله، لا طوقا أبث ولا جبرا

              والقائل:

              رب اكفني حسرة الندامة في     العقبى فإني محالف الندم [3] .

              ويقول: إنه كان يقيم الصلاة، ويعزو عدم حضوره صلاة الجمعة إلى أنه كان أعمى، وحضوره الصلاة في المسجد الجامع مشقة عليه وإزعاج للآخرين، مما لا يريده الدين:

              الحمد لله قد أصبحت في دعة     أرضى القليل ولا أهتم بالقوت
              وشاهد خالقي أن الصلاة له     أجل عندي من دري وياقوتي [4] .

              وكذلك كان يصوم رمضان، ثم كان يقضي كثيرا من الأيام صائما؛ فالصوم زهد أساسي في زهد المعري [5] . [ ص: 125 ]

              وكما أنه لم يحضر صلاة الجمعة ولا صلاة الجماعة فإنه أيضا لم يحج، والحج فرض على المستطيع، والمعري كان عاجزا من حيث المقدرة الجسدية والمالية [6] .

              ويتبع الصلاة جماعة والحج أن المعري لم يكن ذا مال يبلغ (نصابا) تؤدى عليه الزكاة، ولكنه كان بلا ريب يتصدق [7]

              أما المعاصي، فيقول عنها عمر فروخ ، رحمه الله:

              «أما المعاصي فنحن على ثقـة من أن المعري لم يأت شيئا منها. فهو لم يشرب الخمر، ولم يقرب النساء حلا حتى نتوهم أنه قربهن حراما. وكذلك كان زاهدا في كل أمر من أمور الدنيا، ولم يضر أحدا في حياته، بل كان يحتمل الضرر الكثير، وكان مع ذلك يحسن إلى الناس من ذات يده وذات نفسه.. أما الشواهد على ذلك كله من لزومياته فكثيرة جدا. من هـنا نرى أن المعري كان تقيا، لا ريب في ذلك» [8] .

              ويستشهد عمر، رحمه الله، في فاتح كتابه عن المعري بأبيات له تدل على إيمانه وتقواه:

              أرائـيك فليغفر لي الله زلـتي     بذاك، ودين العالمين رءاء
              وقد يخلف الإنسان ظن عشيره     وإن راق منه منظر ورواء
              إذا قومنا لم يعبدوا الله وحـده     بنصح فإنا منهمو برءاء

              [ ص: 126 ]

              مزاعم التناقض في آراء المعري

              وإذا كان بعض المتأدبين، من الذين يتناولون الموضوعات الفلسفية، قد زعم أن المعري متحير، متشكك، متناقض، متردد، ثم يزينون ذلك بأبيات منفردة يسلخونها من اللزوميات سلخا عرفيا، ويلفقون بعضها إلى بعض كما يهوون، أو على ما يصل إليه مبلغ علمهم، فإن عمر فروخ ، رحمه الله، يعد ذلك افتراء على المعري ، لأمور أربعة، هـي:

              1- أن المعري إيـجابي في الأمور العملية، أما في ما وراء الطبيعة فهو «لا أدري».

              2- أن أكثر ما يبدو متناقضا عند المعري هـو آراء الفلاسفة الآخرين، التي يوردها ليدل على تناقضها هـي نفسها، أو على مناقضة بعض الفلاسفة بعضا فيها.

              3- أن المتأدبين ينـزعون الشواهد بيتا بيتا، وينـزعونها كما يشاءون، ولو أنهم استشهدوا بكل لزومية كاملة لوجدوا الأمر على عكس ما يظنون.

              4- أكبر الظن أن المعري نظم اللزوميات عموما حسب ترتيبها الحالي، ولكن كان ينظم بين الفينة والفينة مقطوعات على حروف روي تتفق له فيلحقها بأماكنها.. من أجل ذلك لا نستطيع أن نفهم تطور فكر أبي العلاء المعري إلا إذا عرفنا ترتيب اللزوميات الصحـيح.. ثم إن هـذه اللزوميات لم تنظم في عام ولا اثنين، بل في أعوام متطاولة، وليس من المستغرب في مثل هـذه الحال أن يتبدل رأي الرجل -أن يتطور- بعض التبدل، كما نرى عند نفر من الفلاسفة، المتقدمين منهم والمتأخرين في الزمن [9] . [ ص: 127 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية