الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              عمر فروخ (رحمه الله) في خدمة الإسلام

              الأستاذ / أحمد العلاونة

              - أثر القرآن الكريم في حفظ العربية

              بدأت اللغة العربية بالتقهقر قبل نزول القرآن الكريـم، وبالخضـوع لما خضعت له لغات العالم بالهرم، ولكن قبل أن يبلغ بها انحدارها درجة الخطر وتفقد منطق الإعراب جـملة، وتختلف فيه الصيغ ويعوج التركيب كما حدث في جميع اللغات، جاء الإسلام ونزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، فوقف تقهقر اللغة العربية حيث كان قد وصل.. ثم أخذت اللغة العربية تستعيد صفوها وجزالتها، وتهذبت حواشيها، ومنذ ذلك الحين قدر [ ص: 96 ] للغة العربية أن تظل فصحى برغم عوادي الزمن وسنة الهرم التي تنـزل بالأشخاص والأمم والمؤسسات واللغات [1] .

              وفي زماننا هـذا، حين دعا أعداء العربية إلى استعمال اللغة العامية بدل الفصحى، وإلى كتابة لغتنا بالحروف اللاتينية بحجة أنـها أهون تعلما، قيض الله للعربية من يدافع عنها ويتصدى لمثل هـذه الدعوات، ومن هـؤلاء عمر فروخ ، رحمه الله، القائل:

              «من قال لهم: إن اللغة العربية أصعب من الألمانية والنرويجية والأسوجية والروسية والبولونية؟ من ذا الذي قال لهم: إن اللغة العربية أصعب من الإنكليزية في هـجائها؟ من قال: إن الخط العربي أصعب من الخط النرويجي والأسوجي حتى لا نذكر الخط الياباني والصيني؟» [2] ، مشيرا إلى أن العربية والخط العربي لو لم يكن لهما من فضل سوى أنهما يجمعان العرب من أقصى الشرق الأدنى إلى أقصى المغرب لكان ذلك منهما كافيا، ولكن دعاة العامية والحرف اللاتيني لا يكرهون من اللغة الفصحى ومن الخط العربي إلا هـذا العامل الجامع الموحد [3]

              لذلك يرى عمر فروخ ، رحمه الله، أن أغرب ما يمكن أن يمر في تاريخ أمة من الأمم هـو أن يكون في بلادنا دعاة إلى القومية وإلى العروبة، ثم ينشأ [ ص: 97 ]

              نفر يحاربون اللغة العربية، ويدعون إلى الحرف اللاتيني، فلا يحرك أولئك الدعاة إلى العروبة والقومية ساكنا [4] .

              وعلى الرغم من أن عمر ، رحمه الله، لا ينكر أن اللغة العربية تحتاج إلى جهد في إتقانها، إلا أنه يشير إلى أن هـذا الجهد الذي تحتاج إليه لا يعد شيئا، بالنظر إلى الجهد الذي تحتاجه أهون اللغات في الغرب [5] .

              ويذهب أنصار تعدد اللغات، بتدوين اللهجات العامية، إلى أن العوام من أهل اللغة لا يفهمون اللغة الفصحى، فلا بد من كتابة اللغة الدائرة في مخاطباتـهم حتى ييسر على هـؤلاء العـوام أمر اللغة، ولكن عمر فروخ ، رحمه الله، يذكرهم بأشياء نسوها أو تناسوها، ذلك أن:

              - قضية العوام ليسـت بالدرجـة الأولى قضية فهم للكلام المقول، ولو كان فصيحا، بل هـو قضية عجز عن قراءة الكلام المكتوب.

              - أن اللهجة التي يألفها عوام الناس اليوم؛ لأنهم يتداولونها في مخاطباتهم، ستصبح غدا لغة فصحى لأبنائهم، وسينشق منها لهجات عامية جديدة، وستعود المشكلة إلى ما كانت عليه في مدى خمسين عاما أو أقل.

              - أن تدوين كل لهجة يقصر تلك اللهجة على مجموع من الناس أقل عددا وشأنا من القوم الذين كان هـذا المجموع يشركهم في اللغة الفصحى، وتلك خطوة تقطع أوصال الأمة الواحدة والشعب الواحد، وتجعل الأوصال المقطعة أسهل ضياعا من الناحية القومية والسياسية والثقافية. [ ص: 98 ]

              - يحتج الداعون إلى تعدد اللغات بأن اللجوء إلى تدوين اللهجات ينقذ الناس من الصرف والنحو، أو من شواذ الصرف والنحو، ومن التطويل في قواعد الصرف والنحو؛ ولكن هـؤلاء ينسون أن للهجات صرفا أو نحوا أشد تعقيدا من الصرف والنحو في اللغات الفصحى. إن التعقيد والشواذ في اللغات الفصحى بقايا متسربة من لغات قديمة ومن لهجات متخلفة تشعبت من اللغة الفصحى [6]

              ثم يتساءل: «فما الذي يضمره الدعاة بيننا إلى تدوين اللهجات العامية حين يعلنون حربهم على صعوبة اللغة الفصحى والخط العربي، ثم يريدون منا أن نهجر الفصحى التي توحدنا إلى عاميات تفرقنا؟ وما الذي يبطنونه في محاربة اللغة الفصحى التي وقفت بالعرب صفا واحدا في وجه الاستعمار؟» [7]

              ويرى عمر ، رحمه الله، في التجربة النرويجية أنموذجا لأخذ الدرس والعبرة.. فقد أكثر النرويجيون من إصلاح لغتهم، بالتسهيل والتبسيط والتهذيب والتشذيب، حتى انقطعت صلتهم بماضيهم، وأصبحوا لا يفهمون لغتهم القديمة، ثم إن بعضهم لا يكاد يفهم اليوم لغة بعضهم الآخر، بين الساحل والداخل، مع أن عرض الأرض النرويجية يتراوح بين 50-350كم، فإن أعرض بقعة من هـذه الأرض -حيث تتباين اللهجات وتختلف- لا تزيد على المسافة بين القامشلي ودمشق ، أو بين الموصل وبغداد ، ومع ذلك فإننا [ ص: 99 ]

              نحن العرب نكتب ونتفاهم بلغة واحد، وإذا كان في بلادنا لهجات محلية متقاربة ومتباعدة فهي لهجات محلية فحسب [8] .

              ويبين أن الدعوة إلى العامية، وإلى الحرف اللاتيني، معناها:

              1- خلق مشكلة لا حل مشكلة.

              2- قطع حاضر العرب ومستقبلهم بماضيهم.

              3- تنفيذ لمآرب تبشيرية استعمارية [9] .

              ويذكر التاريخ أنه عندما تقدم طه حسين ، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، باقتراح إلى المشاركين في جلسات مجمع اللغة العربية، يطلب فيه إضافة أحرف على الأحرف الأبجدية العربية، نهض عمرفروخ، رحمه الله، وسأله عن سبب ذلك؟ فقال له طه حسين : «إذا لم تكن عندنا هـذه الأحرف الزائدة فكيف نكتب اسما أجنبيا مثل اسم «فكتور هـيجو» باللغة العربية كتابة صحيحة؟».

              فقال له عمر: «لو فرضنا جدلا أن زيادة الأحرف التي تقترحها تحل مشكلة الأسماء الفرنسية، وهذا غير صحيح، فكيف نحل مشكلة الأسماء من اللغة التركية والفارسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية والصينية؟»... ويقول عمر: «ثم طلبت التصويت على اقتراح لي بصرف النظر عن اقتراح طه حسين، وخذل اقتراحي في التصويت» [10] . [ ص: 100 ]

              عندئذ نهض عباس محمود العقاد ، وقال: عمر فروخ على حق، فلا يجوز أن نفتح ثغرة في اللغة العربية مثل هـذه الثغرة، فقيل له: إن هـذا الاقتراح ليس ابن سـاعته الآن، ولكنه اقتراح لجـنة رئيسها طه حسين ، فقال العقاد: وما قيمة ذلك؟ نعين لجنة ثانية، فنجح دفاع العقاد، فأعيد التصويت وسقط الاقتراح بإدخال أحرف غريبة على الأبجدية العربية [11]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية