الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4712 4713 4714 4715 4716 4717 4718 4719 4720 4721 4722 4723 4724 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فكانت هذه الآثار قد اختلف فيها عن رسول الله -عليه السلام- فنظرنا فيما روي عن أصحابه من ذلك فإذا علي بن شيبة قد حدثنا، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن معبد الجهني ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". ) .

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر - رضي الله عنه - قال: " إذا أدى المكاتب النصف فهو غريم".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر بن الخطاب أنه قال: "يا أيها الناس، إنكم تكاتبون مكاتبين، فأيهم أدى النصف فلا رد عليه في الرق". "

                                                فهذا خلاف ما رويناه قبله عن عمر - رضي الله عنه -.

                                                [ ص: 120 ] حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا ابن أبي ذئب ، عن عمران بن بشير ، عن سالم سبلان أنه قال لعائشة - رضي الله عنها - زوج النبي -عليه السلام-: "ما أراك ألا تستحي مني؟ فقالت: ما لك؟! فقال: كاتبت، قالت: إنك عبد ما بقي عليك شيء".

                                                حدثنا أبو بشر الرقي ، حدثنا أبو معاوية وشجاع بن الوليد ، عن عمرو بن ميمون ، عن سليمان بن يسار، قال: "استأذنت على عائشة، ، فقالت: كم بقي عليك من كتابتك؟ قلت: عشر أواق. فقالت: ادخل، فإنك عبد ما بقي عليك شيء".

                                                حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا عمرو بن ميمون .... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: " : ( إذا أدى المكاتب ثلثا أو ربعا فهو غريم".

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله - رضي الله عنه -: " إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال: كان عبد الله وشريح يقولان في المكاتب: "إذا أدى الثلث فهو غريم".

                                                حدثنا يونس، قال: أخبرنا عبد الله بن نافع ، عن أبي معشر ، -وهو السندي- عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت:" المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء".

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد ، ومالك ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: " المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء".

                                                [ ص: 121 ] حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال: كان زيد بن ثابت - رضي الله عنه - يقول: "المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من مكاتبته".

                                                وكان جابر بن عبد الله يقول: "شروطهم جائزة فيما بينهم".

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد أن أحاديث هذا الباب لما اختلفت وتعارضت ظاهرا; وذلك لأن حديث عبد الله بن عمرو يخالف حديث ابن عباس في المعنى والحكم، ولم يتم الاستدلال بها للخصوم - وجب الرجوع في ذلك إلى ما جاء في هذا الباب من الصحابة، فإن ما جاء منهم على وجه يرجع ما ذهب إليه أحد الخصوم، وقد روي في ذلك عن عمر بن الخطاب وعائشة وعبد الله بن مسعود وأم سلمة وعبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - ما يرجح ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية، ويرجح حديث عبد الله بن عمرو على حديث ابن عباس .

                                                أما ما روي عن عمر بن الخطاب فأخرجه بإسناد صحيح من ثلاث طرق:

                                                الأول: عن علي بن شيبة .... إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن معبد الجهني ، عن عمر بن الخطاب قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم".

                                                والثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه عبد الرزاق: عن معمر ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، [ ص: 122 ] عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر بن الخطاب قال: "إذا أدى المكاتب الشطر فهو غريم".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أحمد بن خالد الوهبي الكندي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر بن الخطاب .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الثوري ، عن عبد الرحمن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن جابر بن سمرة ، عن عمر - رضي الله عنه - قال: "إذا أدى المكاتب النصف لم يسترق".

                                                وقال البيهقي: القاسم لم يثبت سماعه من جابر، وإن صح فكأنه أراد قرب عتقه، فليمهل حتى يكتسب ما بقي، ولا يرد عبدا بالعجز عن الباقي.

                                                وأما ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني ، عن عمران بن بشير بن محرر ، عن سالم بن عبد الله النصري -بالنون والصاد المهملة- الملقب سبلان، بفتح السين المهملة والباء الموحدة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث ابن وهب، أخبرني سعيد بن سليم، سمعت سالما سبلان يذكر: "أنه كان يكري عائشة في الحج والعمرة، قال: فكاتبت، ثم جئت فوقفت بالباب، فاستأذنت استئذانا لم أكن أستئذنه، فأنكرت ذلك وقالت: يا بني، ما لك لا تدخل؟! قلت: يا أم المؤمنين كاتبت. قالت: فادخل علي ما كان عليك درهم، فإنك لن تزال مملوكا ما كان عليك من كتابتك درهم".

                                                [ ص: 123 ] الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم ، وشجاع بن الوليد السكوني، كلاهما عن عمرو بن ميمون بن مهران الجزري ، عن سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" من حديث عمرو بن ميمون ، عن سليمان بن يسار، عن عائشة، قال: "استأذنت عليها، فقالت: من هذا؟ فقلت: سليمان. قالت: كم بقي عليك من مكاتبتك؟ قلت: عشرة أواق. قالت: ادخل فإنك عبد ما بقي عليك درهم".

                                                الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن يزيد بن هارون ، عن عمرو بن ميمون ، عن سليمان بن يسار، نحوه.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن حفص بن غياث ، عن عمرو بن ميمون ، عن سليمان بن يسار .... إلى آخره نحوه.

                                                وأما ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فأخرجه من ثلاث طرق:

                                                الأول: منقطع؛ لأن إبراهيم لم يلق عبد الله.

                                                أخرجه عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن الثوري ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي، قال: قال عبد الله بن مسعود .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود: "إذا أدى المكاتب ثلث كتابته فهو غريم".

                                                الثاني: أيضا مثل ما قبله عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن سفيان الثوري ، عن المغيرة بن مقسم الضبي ، عن إبراهيم .... إلى آخره.

                                                [ ص: 124 ] الثالث: أيضا منقطع; لأن الشعبي لم يسمع من عبد الله - رضي الله عنه - وأيضا معلول بجابر الجعفي .

                                                أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سفيان ، عن جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي .... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا حفص بن غياث عن الأعمش ، عن إبراهيم .

                                                وعن أشعث عن الشعبي، قالا: قال عبد الله: "إذا أدى المكاتب ثلث مكاتبته فهو غريم".

                                                وأخرجه ابن حزم: من طريق سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قال لي الشعبي: قول شريح مثل قول ابن مسعود: "إذا أدى المكاتب قيمته فهو غريم من الغرماء".

                                                قال ابن حزم: هذا إسناد جيد؛ لأن الشعبي صحب شريحا ، وشريح صحب ابن مسعود - رضي الله عنه -.

                                                وأما ما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن نافع الصائغ المدني ، عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني ، عن سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن حزم، وقال: أبو معشر السندي ضعيف.

                                                قلت: ضعفه جماعة، ولكن عن أحمد: أنه كان صدوقا. وقال أبو زرعة: صدوق في الحديث وليس بالقوي. واحتجت به الأربعة.

                                                [ ص: 125 ] وأما ما روي عن عبد الله بن عمر فأخرجه بإسناد صحيح وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                وأما ما روي عن زيد بن ثابت فأخرجه عن علي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي ، عن مجاهد .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قال: كان زيد يقول: "المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من مكاتبته، وكان جابر يقول: شروطهم جائزة بينهم".

                                                فإن قيل: إذا كانت الآثار عن الصحابة مختلفة أيضا مثل الأحاديث عن النبي -عليه السلام- في هذا الباب، لم يترجح لأحد الفريقين استدلالا بما استدلوا به على ما استدل به الفريق الآخر.

                                                قلت: بل ظهر رجحان ما ذهب إليه الفريق الثاني لما يشهد وجه النظر والقياس لهم، وقد أشار إلى بيان ذلك بقوله:




                                                الخدمات العلمية