الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5894 ص: وقد روي عن النبي -عليه السلام- في هذا أيضا ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أنا عبد الله بن المبارك ، قال: ثنا مصعب بن ثابت ، عن عطاء بن أبي رباح: " ، أن رجلا ارتهن فرسا، فمات الفرس في يد المرتهن، فقال رسول الله -عليه السلام-: ذهب حقك". .

                                                [ ص: 168 ] فدل هذا من قول رسول الله -عليه السلام- على بطلان الدين بضياع الرهن.

                                                فإن قال: هذا أيضا منقطع.

                                                قيل له: والذي تأولته أيضا منقطع، فإن كان المنقطع حجة لك علينا فالمنقطع أيضا حجة لنا عليك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد روي عن النبي -عليه السلام- في حكم الرهن إذا هلك عند المرتهن أنه يهلك بالدين.

                                                أخرج ذلك بإسناد رجاله كلهم ثقات.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": نا عبد الله بن المبارك ، عن مصعب بن ثابت، قال: سمعت عطاء يحدث: "أن رجلا رهن رجلا فرسا فنفق في يده، فقال رسول الله -عليه السلام- للمرتهن: ذهب حقك".

                                                فإن قلت: مصعب بن ثابت ضعفه يحيى وأحمد، وقال ابن حزم: هذا مرسل، ومصعب ليس بالقوي.

                                                قلت: ابن حبان وثقه وصدقه أبو حاتم، وروى عنه مثل عبد الله بن المبارك وزيد بن أسلم -وهو أكبر منه- وعيسى بن يونس وأضرابهم.

                                                قوله: "فإن قال: هذا أيضا منقطع" أي فإن قال الشافعي: هذا الحديث أيضا منقطع فلا يكون حجة.

                                                قوله: "قيل له" أي لهذا القائل -وهو الشافعي- وهو ظاهر.

                                                فإن قيل: فقد روى البيهقي هذا الحديث من طريق أبي داود: ثنا محمد بن العلاء، ثنا ابن المبارك ، عن مصعب بن ثابت، سمعت عطاء: "أن رجلا رهن فرسا، فنفق في يده، فقال رسول الله -عليه السلام- للمرتهن: ذهب حقك" ثم ذكر أن [ ص: 169 ] الشافعي وهنه، فقال: ثنا إبراهيم ، عن مصعب ، عن عطاء قال: "زعم الحسن ...." ثم ذكره فجعله من مرسلات الحسن .

                                                قلت: الراوي من طريق أبي داود عن مصعب هو عبد الله بن المبارك كما صرح به أيضا من طريق الطحاوي، وهو جبل من الجبال، فكيف تعارض روايته رواية إبراهيم، وأظنه ابن أبي يحيى وهو ضعيف جدا، وعلى تقدير صحة هذه الرواية، فالمرسل حجة عند خصم الشافعي، سواء كان من جهة الحسن أو من جهة عطاء. فافهم.

                                                فإن قيل: ذكر البيهقي عن الشافعي أنه قال: ومما يدلك على وهن هذا عند عطاء -إن كان رواه- أن عطاء كان يفتي بخلافه، ويقول: فيما ظهر هلاكه أمانة، وفيما خفي هلاكه يترادان الفضل، وهذا أثبت الروايات عنه، وروي عنه: يترادان مطلقا، ولا شك أن عطاء لا يروي عن النبي -عليه السلام- ويقول بخلافه.

                                                قلت: لم يسند الشافعي قول عطاء حتى ننظر فيه، وقد قال الطحاوي: ثنا ابن مرزوق، ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء: "في رجل رهن رجلا جارية فهلكت، قال: هي حق المرتهن".

                                                وهذا إسناد جيد يظهر به أن قول عطاء موافق لحديثه المرسل لا مخالف له، ثم لو ثبت أن قوله مخالف لما رواه، فالعبرة عند الشافعي وأكثر المحدثين لما روى لا لما رأى، على ما عرف.




                                                الخدمات العلمية