الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4971 4972 4973 ص: وقد روي ذلك عن ابن مسعود وعطاء وعمرو بن شعيب - رضي الله عنهم -.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، أن عبد الله بن مسعود قال: " لا تقطع اليد إلا في الدينار أو عشرة دراهم".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال: كان قول عطاء مثل قول عمرو بن شعيب: " : ( لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم") .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي ما ذكرنا أن سارق العشرة هو الذي يقطع دون سارق ما دونها عن عبد الله بن مسعود ، وعطاء بن أبي رباح المكي ، وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                أما ما روي عن عبد الله فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عثمان بن عمر بن فارس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي ، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، أن عبد الله بن مسعود .. إلى آخره.

                                                وهؤلاء كلهم أئمة ثقات.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا ابن مبارك ووكيع ، عن المسعودي ، عن القاسم ، عن ابن مسعود أنه قال: "لا يقطع إلا في دينار أو عشرة دراهم".

                                                فإن قلت: هذا منقطع; لأن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يدرك جده.

                                                [ ص: 603 ] قلت: قد روى ذلك أبو حنيفة عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن ابن مسعود: "لا قطع إلا في عشرة".

                                                أخرجه الدارقطني في "سننه" .

                                                فإن قلت: قال البيهقي: قال الشافعي: فقال -يعني خصمه-: قد روينا عن ابن مسعود قال: "لا يقطع إلا في عشرة دراهم".

                                                قلنا: روى الثوري ، عن عيسى بن أبي عزة ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود: "أنه -عليه السلام- قطع سارقا في خمسة دراهم".

                                                وهذا أقرب أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث المسعودي ، عن القاسم ، عن عبد الله .

                                                وقال البيهقي: حديث ابن مسعود منقطع. يعني حديث المسعودي. قال: وروي عن أبي حنيفة ، عن القاسم ، عن أبيه، عن ابن مسعود .

                                                ورواه المسعودي مرسلا. والذي في معارضته ليس بأضعف منه -يعني حديث ابن أبي عزة .

                                                قلت: حديث المسعودي رواه عنه وكيع والثوري وابن المبارك وغيرهم. والمسعودي ثقة احتجت به الأربعة، واستشهد به البخاري. وهو وإن اختلط فقد ذكر أحمد بن حنبل أن سماع وكيع منه قديم، وأن من سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد.

                                                وحديث ابن أبي عزة فيه ثلاث علل: الثوري مدلس، وقد عنعن، وابن أبي عزة ضعفه القطان وذكره الذهبي في كتابه "الضعفاء". والشعبي عن ابن مسعود منقطع، ذكره البيهقي في "سننه" في باب: "الزنا لا يحرم الحلال" وسكت عنه في باب: "ما جاء عن الصحابة فيما يجب فيه القطع" وظهر بهذا أن هذا السند [ ص: 604 ] أضعف من سند المسعودي خلافا لقول البيهقي، والذي روي في معارضته ليس بأضعف منه، وأن سند المسعودي أقرب أن يكون صحيحا خلافا لما قاله الشافعي .

                                                وأما ما روي عن عطاء فأخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج المكي .... إلى آخره.

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال: "أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن. وكان يقوم في زمانهم دينارا أو عشرة دراهم".

                                                وأخرجه النسائي: عن حميد بن مسعدة ، عن سفيان ، عن العرزمي ، عن عطاء قال: "أدنى ما يقطع فيه: ثمن المجن، وثمن المجن عشرة دراهم".

                                                وممن روى في هذا الباب من الصحابة: عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -.

                                                أما ما روي عن ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس: "لا يقطع السارق فيما دون ثمن المجن، وثمن المجن عشرة دراهم".

                                                وأما ما روي عن علي فأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الدارقطني: ثنا عمر بن الحسن، ثنا جعفر بن محمد بن مروان، ثنا أبي، ثنا عاصم -أظنه ابن عمر- [ ص: 605 ] ثنا إسماعيل بن اليسع ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن النزال ، عن علي - رضي الله عنه -: "لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم، ولا يكون المهر أقل من عشرة دراهم".

                                                فإن قلت: قال البيهقي: فيه ضعفاء مجهولون.

                                                قلت: روى عبد الرزاق: عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن يحيى بن الجزار ، عن علي - رضي الله عنه - قال: "لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم".

                                                فهذه الرواية أجود من التي قبلها، فيتعاضدان. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية