الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5895 ص: وقد روي عن النبي -عليه السلام- من جهة أخرى ما يوافق ذلك أيضا:

                                                حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي ، قال: ثنا خالد بن نزار الأيلي ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال: "أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم: سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله في مشيخة من نظرائهم، أهل فقه وصلاح وفضل، فذكر جميع ما جمع من [ ص: 170 ] أقاويلهم في كتابه على هذه الصفة، أنهم قالوا: الرهن بما فيه إذا هلك وعميت قيمته، ويرفع ذلك منهم الثقة إلى النبي -عليه السلام-" فهؤلاء أئمة المدينة وفقهاؤها يقولون: إن الرهن يهلك بما فيه، ويرفع الثقة منهم إلى النبي -عليه السلام- فأيهم حكاه فهو حجة; لأنه فقيه إمام، ثم قولهم جميعا بذلك واجتماعهم عليه قد ثبت به صحة ذلك أيضا، ثم سعيد بن المسيب، ، وهو المأخوذ منه قول رسول الله -عليه السلام-: " لا يغلق الرهن ".

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي عن النبي -عليه السلام- من جهة أخرى ما يوافق ما أوله النخعي وطاوس ومالك والثوري والزهري في حديث سعيد بن المسيب .

                                                وهو ما أخرجه بإسناد جيد عن محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي المصري ، عن خالد بن نزار الأيلي ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان ، عن أبيه عبد الله قال: "أدركت ...." إلى آخره.

                                                وعبد الرحمن هذا احتج به أبو داود والترمذي وابن ماجه، واستشهد به البخاري، وقال ابن المديني: حديثه بالمدينة حديث مقارب. وقد ذكر في حديثه ستة من الأئمة الكبار الثقات الأثبات أهل الفقه والصلاح والفضل والأمانة وجلالة القدر:

                                                الأول: سعيد بن المسيب الذي هو سيد التابعين، الذي يقال له: فقيه الفقهاء.

                                                الثاني: عروة بن الزبير بن العوام، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وقال: كان ثقة كثير الحديث فقيها عالما مأمونا ثبتا. روى له الجماعة.

                                                الثالث: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - ذكره محمد بن سعد أيضا في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وقال فيه ما قال في عروة .

                                                الرابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني، أحد الفقهاء السبعة. قيل: اسمه [ ص: 171 ] محمد، وقيل: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو عبد الرحمن، والصحيح أن كنيته واسمه واحد، قال ابن خراش: هو أحد أئمة المسلمين. روى له الجماعة.

                                                الخامس: خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري أبو زيد، أحد الفقهاء السبعة، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة، روى له الجماعة.

                                                السادس: عبيد الله -بتصغير العبد- بن عبد الله -بالتكبير- بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني الفقيه الأعمى، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة. قال العجلي: كان أحد فقهاء المدينة، تابعي ثقة، رجل صالح، جامع للعلم، وهو معلم عمر بن عبد العزيز، روى له الجماعة.

                                                قوله: "في مشيخة" بفتح الميم وكسر الشين: جمع شيخ، وكذلك أشياخ وشيوخ وشيخة وشيخان ومشايخ ومشيوخاء.

                                                "الشيخ" في اللغة من استبان فيه السن، والمراد به هاهنا: من كان متقدما في العلم إماما يقتدى به.

                                                و"النظراء" بضم النون: جمع نظير، ونظير الشيء: مثله.

                                                ومحل قوله: "في مشيخة" نصب على الحال.

                                                قوله: "الرهن بما فيه" يعني الرهن محبوس بما فيه من الدين، فإذا هلك هلك الدين; لأنه في مقابلته.

                                                قوله: "وعميت قيمته" يجوز أن يكون من العماء وهو السحاب الرقيق، أي حال دونه ما أعمى الأبصار عن معرفة قيمته، ويجوز أن يكون من العمى مقصورا بمعنى: وخفيت قيمته؛ لأن الأعمى تخفى عليه الأشياء.




                                                الخدمات العلمية