الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7383 ص: وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "نحلني أبو بكر - رضي الله عنه – جداد عشرين وسقا من ماله بالعالية فلما مرض قال: إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية فلو كنت جددته وحزته كان لك وإنما هو اليوم مال وارث، فاقسموه بينكم على كتاب الله تعالى".

                                                فأخبر أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أنها لو قبضت ذلك في الصحة تم لها ملكه، وأنها لا تستطيع قبضه في المرض قبضا يتم لها به ملكه، وجعل ذلك غير جائز كما لا تجوز الوصية لها، ولم تنكر ذلك عائشة على أبي بكر - رضي الله عنهما -، ولا سائر أصحاب النبي -عليه السلام-، فدل ذلك أن مذهبهم جميعا كان فيه مثل مذهبه، فلو لم يكن لمن ذهب إلى ما ذكرنا من الحجة لقوله الذي ذهب إليه إلا ما في هذا الحديث، وما ترك [ ص: 180 ] أصحاب رسول الله -عليه السلام- من الإنكار في ذلك على أبي بكر، لكان فيه أعظم الحجة، فكيف وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- ما يدل على ذلك؟!

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا هشيم ، قال: أنا منصور بن زاذان ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين: " ، أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند الموت لا مال له غيرهم، فأقرع رسول الله -عليه السلام- بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة".

                                                7384 حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                7385 حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج ، قال: ثنا حماد ، قال: ثنا عطاء الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، وأيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عمران بن حصين .

                                                وقتادة ، وحميد ، وسماك بن حرب ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ... ، فذكر مثله.

                                                7386 حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا مسدد وسليمان بن حرب، قالا: ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.

                                                فهذا رسول الله -عليه السلام- قد جعل العتاق في المرض من الثلث، فكذلك الهبات والصدقات.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر حديث عائشة المذكور في باب: "الرجل ينحل بعض بنيه دون بعض" مسندا عن يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أنها قالت: "إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه – نحلها جد عشرين وسقا من ماله بالعالية...." الحديث. وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى. قوله: "جداد عشرين" أي قطعها من الجد وهو القطع.

                                                [ ص: 181 ] قوله: "بالعالية" أي في العالية، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية. وتجمع على عوالي.

                                                قوله: فكيف وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- ما يدل على ذلك" أي على ما ذكرنا من أن العتاق والهبات والصدقات في المرض تكون من الثلث، وهو حديث عمران بن حصين فإنه -عليه السلام- قد جعل هذه الأشياء في المرض من الثلث.

                                                وأخرجه من ست طرق صحاح:

                                                الأول: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن البصري ، عن عمران بن الحصين .

                                                وأخرجه النسائي: عن علي بن حجر ، عن هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، عن عمران، نحوه.

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين: "أن رجلا من الأنصار أعتق رؤوسا ستة عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك رسول الله -عليه السلام- فأغلظ له، فدعا بهم رسول الله -عليه السلام- فأقرع بينهم فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق".

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن المنهال ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمران بن حصين .

                                                [ ص: 182 ] وأخرجه أحمد: عن عفان ، عن حماد ، عن عطاء الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمران، نحوه.

                                                الرابع: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، عن حماد ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عمران .

                                                الخامس: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج ، عن حماد ، عن قتادة وحميد الطويل وسماك بن حرب ، عن الحسن ، عن عمران .

                                                وأخرجه أحمد: عن عفان ، عن حماد ، عن حبيب ويونس وقتادة وسماك بن حرب ، عن الحسن ، عن عمران ، عن النبي -عليه السلام-: "أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، ليس له مال غيرهم؛ فأقرع النبي -عليه السلام- بينهم، فرد أربعة في الرق وأعتق اثنين".

                                                وأخرجه النسائي أيضا: عن ابن بشار ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد ، عن قتادة وحميد وسماك ، عن الحسن ، عن عمران .

                                                السادس: عن أحمد بن داود المكي ، عن مسدد وسليمان بن حرب -شيخي البخاري- كلاهما عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، عن أبي المهلب الجرمي عم أبي قلابة -قيل: اسمه عمرو بن معاوية، وقيل: عبد الرحمن بن معاوية، وقيل: معاوية بن عمرو، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: النضر بن عمرو.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا إسحاق بن راهويه وابن أبي عمر، قالا: عن عبد الوهاب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن الحصين: "أن رجلا أوصى [ ص: 183 ] عند موته فأعتق ستة مملوكين لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله -عليه السلام- فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا".

                                                وأخرجه أبو داود: عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب به.

                                                وأخرجه الترمذي: عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب به.

                                                وقال: حسن صحيح.

                                                وأخرجه النسائي: عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ...إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن ماجه: عن نصر بن علي ومحمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب، نحوه.




                                                الخدمات العلمية