الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5934 ص: ثم نظرنا بعد ذلك هل نجد عن رافع معنى يدلنا على وجه النهي عن ذلك لم كان؟

                                                فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا أبو عمر ، قال: أنا حماد بن سلمة ، أن يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرهم، عن خالد بن قيس الزرقي ، عن رافع بن خديج قال: " : كنا بني حارثة أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نكري الأرض على أن ما سقى الماذيان والربيع فلنا، وما سقت الجداول فلهم، فربما سلم هذا وهلك هذا، وربما سلم هذا وهلك هذا، ولم يكن عندنا يومئذ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك، فسألنا رسول الله -عليه السلام- عن ذلك فنهانا".

                                                5935 حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا حامد بن يحيى ، قال: ثنا سفيان ، قال: ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال: أنا حنظلة بن قيس الزرقي ، أنه سمع رافع بن خديج يقول: "كنا أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نقول للذي نخابره: لك هذه القطعة ولنا هذه القطعة تزرعها لنا، فربما أخرجت هذه القطعة ولم تخرج هذه [ ص: 311 ] شيئا، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه شيئا، فنهانا رسول الله -عليه السلام- عن ذلك، فأما بورق فلم ينهنا عنه".

                                                5936 حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا محمد بن المنهال ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا ابن أبي عروبة ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن يسار ، عن رافع بن خديج، قال: " كنا نحاقل على عهد رسول الله -عليه السلام-والمحاقلة أن يكري الرجل أرضه بالثلث أو الربع، أو طعام مسمى- فبينا أنا ذات يوم إذ أتى بعض عمومتي ، فقال: نهانا رسول الله -عليه السلام- عن أمر كان لنا نافعا، وطاعة رسول الله -عليه السلام- أنفع، قال: من كانت له أرض فليمنحها أخاه ولا يكريها بثلث ولا ربع، ولا طعام مسمى".

                                                فبين رافع في هذا كيف كانوا يزارعون، فرجع معنى حديثه إلى معنى حديث جابر - رضي الله عنه -، وثبت أن النهي في الحديثين جميعا، إنما كان لأن كل فريق من أرباب الأرضين والمزارعين كان يختص بطائفة من الأرض، فيكون له ما خرج منها من زرع، إن سلم فله، وإن عطب فعليه، وهذا مما أجمع على فساده، فهذا قد خرج معنى حديث رافع على أن النهي المذكور فيه كان للمعنى الذي وصفنا لا لإجارة الأرض بجزء مما يخرج منها.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما لم يكن في أحاديث رافع المتقدم ذكرها ما يدل على وجه النهي في ذلك لأي شيء كان؟ أتى هاهنا بأحاديث أخرى رويت عنه، فيها بيان معنى النهي، ووجهه ما ذكره الطحاوي .

                                                وأخرج ذلك من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عمر حفص بن عمر الضرير -شيخ أبي داود وابن ماجه- عن حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن حنظلة بن قيس الزرقي المدني ، عن رافع بن خديج .

                                                [ ص: 312 ] وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا يوسف القاضي، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن حنظلة بن قيس ، عن رافع بن خديج، قال: "كنا بني حارثة أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نكري الأرض ونشترط على الإكراء أن ما سقى الماذيانات والربيع فلنا، وما سقي بالجداول فهو لكم، فربما هلك هذا وسلم هذا، وربما سلم هذا وهلك هذا، فنهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك، ولم يكن عندنا يومئذ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك".

                                                قوله: "بني حارثة" نصب على التخصيص، وهذا من قبيل قوله: "إنا معشر الأنبياء لا نورث".

                                                قوله: "حقلا" أي زرعا، وهو بسكون القاف: الزرع الذي يتشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه.

                                                و"الربيع" هو النهر الصغير ويجمع على أربعاء.

                                                و"الجداول" جمع جدول، وهو النهر الصغير أيضا.

                                                الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن حامد بن يحيى البلخي شيخ أبي داود ، عن سفيان الثوري ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن حنظلة بن قيس ، عن رافع .

                                                وأخرجه مسلم: ثنا عمرو الناقد، قال: ثنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن حنظلة الزرقي، أنه سمع رافع بن خديج، يقول: "كنا أكثر الأنصار حقلا، قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، وأما الورق فلم ينهنا".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن محمد بن المنهال -شيخ [ ص: 313 ] البخاري ومسلم وأبي داود- عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن يعلى بن حكيم الثقفي ، عن سليمان بن يسار ، عن رافع .

                                                وأخرجه مسلم: حدثني علي بن حجر السعدي ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: نا إسماعيل -وهو ابن علية- عن أيوب ، عن يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن يسار ، عن رافع بن خديج، قال: " كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله -عليه السلام- فنكريها بالثلث والربع، والطعام المسمى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي، فقال: نهانا رسول الله -عليه السلام- عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها بالثلث والربع، والطعام المسمى، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزرعها، وكره كراءها وما سوى ذلك".

                                                وأخرج أيضا: عن إسحاق بن إبراهيم ، عن عبدة ، عن ابن أبي عروبة ، عن يعلى بن حكيم بهذا الإسناد مثله.

                                                قوله: "كنا نحاقل" من المحاقلة، وفي تفسيرها أقوال، وقد ذكرنا بعضها، وقد فسرها في الحديث بقوله: "والمحاقلة أن يكري...." إلى آخره.

                                                قوله: "إذ أتى بعض عمومتي" وهو ظهير بن رافع، والعمومة: جمع عم، كالخئولة: جمع خال.




                                                الخدمات العلمية