الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7317 ص: فإن قال قائل فإذا كان كما ذكرت فلم قصد إلى المسجد؟ والذي ذكرت من هجي النبي -عليه السلام- والذي أبنت فيه النساء ورزأت فيه الأموات مكروه في غير المسجد كما هو مكروه في المسجد، ولو كان كما ذكرت لم يكن لذكره المسجد معنى؟

                                                قيل له: قد يجيء الكلام كثيرا بذكر معنى فلا يكون ذلك المعنى بذلك الحكم الذي جرى في ذلك الذكر مخصوصا، من ذلك: قول الله -عز وجل-: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم فذكر الربيبة التي كانت في حجر ربيبها فلم تكن ذلك على خصوصيتها لأنها كانت في حجره بذلك الحكم، وأخرجها منه إذا لم تكن كانت في حجره، ألا ترى أنها لو كانت أكبر منه أنها عليه حرام كحرمتها لو كانت صغيرة في حجره؟

                                                وقال -عز وجل- في الصيد: ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فأجمع العلماء -إلا من شذ منهم- أن قتله إياه ساهيا كذلك في وجوب الجزاء، فلم تكن ذكره ما ذكرنا من هاتين الآيتين بموجب خصوص الحكم، فكذلك ما رويناه من ذكر المسجد في الشعر المنهي عن روايته ليس فيه دليل على خصوصية المسجد بذلك، وكذلك أيضا ما نهى عنه من البيع في المسجد هو البيع الذي يعمه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق فذلك مكروه، فأما ما سوى ذلك فلا.

                                                [ ص: 495 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 495 ] ش: تقرير السؤال أن يقال: إذا كان المنهي عنه من الشعر ما فيه أبن النساء وانتقاص الأموات والفحش والخنى ونحو ذلك يستوي فيه المسجد وغيره، وكذلك ما أبيح منه مما ليس فيه ما ذكرنا يستوي فيه المسجد وغيره، فما الفائدة من ذكر المسجد وتخصيصه بالذكر في الحديث المذكور؟.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: إن ذكر المسجد هاهنا لا يتعلق به الحكم كما أن ذكر الجمهور في قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم الآية، لا يتعلق به تحريم الربائب، وكما لا يتعلق الحكم بقوله: متعمدا في قوله: ومن قتله منكم متعمدا فإن أكثر العلماء أن ربيبة الرجل تحرم عليه وإن لم تكن في حجره فلا يشترط كونها في الحجر كما لا يشترط تربيته إياها، ألا ترى أنها لو كانت أسن منه تحرم عليه كما لو كانت صغيرة، وهي في حجره.

                                                فإن قيل: إذا لم يتعلق بذكر الحجر حكم، فما الفائدة في ذكره؟

                                                قلت: هو كلام خرج على الأعم الأغلب من كون الربيبة في حجر الزوج، وهذا كما في قوله -عليه السلام-: "في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون"، وليس كون المخاض أو اللبن شرطا في المأمور، وإنما ذكره لأن الأغلب أنها إذا دخلت في السنة الثانية كانت بأمها مخاض، وإذا دخلت في الثالثة كانت بأمها لبن وإنما أخرج الكلام على غالب الحال، كذلك قوله تعالى: في حجوركم على هذا، وكذلك قيد العمدية في الآية ليس لكونها شرطا بل لكون الغالب الأعم في العمد أو يكون بأن ورد النص فيمن تعمد وألحق به الخطأ للتغليظ وكذلك ذكر المسجد ليس لأنهم كانوا في غالب الأحوال يتناشدون في المساجد بما فيه الفحش والخنى وأبن النساء ورزأ الأموات فغلب النهي لذلك، فافهم.




                                                الخدمات العلمية