الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وتصح أيضا بدين خاص فصارت الحوالة المقيدة ثلاثة أقسام ، وحكمها أن لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه ولا المحتال عليه دفعها للمحيل ، مع أن المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته ، [ ص: 348 ] بخلاف الحوالة المطلقة كما بسطه خسرو وغيره .

التالي السابق


( قوله وتصح أيضا بدين خاص ) بأن يحيله بدينه الذي له على فلان المحال عليه فتح وفي الخلاصة عن التجريد لو كان للمحيل على المحتال عليه دين فأحال به مطلقا ولم يشترط في الحوالة أن يعطيه مما عليه فالحوالة جائزة ودين المحيل بحاله وله أن يطالبه به . ا هـ . ومثله في البزازية ومقتضاه أنها لا تكون مقيدة ما لم ينص على الدين ( قوله ثلاثة أقسام ) أي مقيدة بعين أمانة أو مغصوبة أو بدين خاص ( قوله وحكمها . . . إلخ ) أي حكم المقيدة في هذه الأقسام الثلاثة أن لا يملك المحيل مطالبة المحال عليه بذلك العين ولا بذلك الدين ; لأن الحوالة لما قيدت بها تعلق حق الطالب به ، وهو استيفاء دينه منه على مثال الرهن ، وأخذ المحيل يبطل هذا الحق فلا يجوز ، فلو دفع المحال عليه العين أو الدين إلى المحيل ضمنه للطالب لأنه استهلك ما تعلق به حق المحتال ، كما إذا استهلك الرهن أحد يضمنه للمرتهن لأنه يستحقه فتح ( قوله مع أن المحتال . . . إلخ ) يعني أن هذه الأموال إذا تعلق بها حق المحتال كان ينبغي أن لا يكون المحتال أسوة لغرماء المحيل بعد موته كما في الرهن مع أنه أسوة لهم العين التي بيد المحتال عليه للمحيل والدين الذي له عليه لم يصر مملوكا للمحال بعقد الحوالة لا يدا وهو ظاهر ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل فيكون بين الغرماء ، وأما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا ، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ا هـ درر .

قال في البحر : وإذا قسم الدين بين غرماء المحيل لا يرجع المحتال على المحال عليه بحصة الغرماء لاستحقاق الدين الذي كان عليه ، ولو مات المحيل وله ورثة لا غرماء استظهر في البحر ، وأقره من بعده أن الدين المحال به [ ص: 348 ] قبل قبض المحتال يقسم بين الورثة بمعنى أن لهم المطالبة به دون المحتال فيضم إلى تركته ا هـ .

وحينئذ فيتبع المحتال التركة ط . [ تنبيه ] ما ذكر من القسمة وكون المحتال أسوة الغرماء في الحوالة المقيدة يعلم منه بالأولى أن الحوالة المطلقة كذلك ، لما صرح به في الخلاصة والبزازية ، وصرح في الحاوي ببطلان الحوالة بموت المحال عليه ، وقدمنا عن الكافي أن ما بقي للمحتال بعد القسمة يرجع به على المحيل ، وأنه لو مات المحيل مديونا فما قبضه المحتال فهو له وما بقي يقسم بينه وبين الغرماء ( قوله : بخلاف الحوالة المطلقة ) أي فيملك المحيل المطالبة قال في الفتح : هذا متصل بقوله لا يملك المحيل مطالبة المحتال عليه بالعين المحال به والدين ، والمطلقة هي أن يقول المحيل للطالب أحلتك بالألف التي لك على هذا الرجل ولم يقل ليؤديها من المال الذي عليه ، فلو له عنده وديعة أو مغصوبة أو دين كان له أن يطالبه به لأنه لا تعلق للمحتال بذلك الدين أو العين لوقعها مطلقة عنه ، بل بذمة المحتال عليه وفي الذمة سعة فيأخذ دينه أو عينه من المحتال عليه لا تبطل الحوالة ، ومن المطلقة أن يحيل على رجل ليس له عنده ولا عليه شيء وقال في الجوهرة : والفرق بين المطلقة والمقيدة أنه في المقيدة انقطعت مطالبة المحيل من المحال عليه ، فإن بطل الدين في المقيدة وتبين براءة المحال عليه من الدين الذي قيدت به الحوالة بطلت ، مثل أن يحيل البائع رجلا على المشتري بالثمن ، ثم استحق المبيع أو ظهر حرا ، فتبطل وللمحال الرجوع على المحيل بدينه ، وكذا لو قيد بوديعة ، فهلكت عند المودع ، وأما إذا سقط الدين الذي قيدت به الحوالة بأمر عارض ولم تتبين براءة الأصيل منه فلا تبطل ، مثل أن يحتال بألف من ثمن مبيع فهلك المبيع عنده قبل تسليمه للمشتري سقط الثمن عن المشتري ، ولا تبطل الحوالة ولكنه إذا أدى رجع على المحيل بما أدى لأنه قضى دينه بأمره ، وأما إذا كانت مطلقة فإنها لا تبطل بحال من الأحوال ، ولا تنقطع فيها مطالبة المحيل عن المحال عليه إلى أن يؤدي ، فإذا أدى سقط ما عليه قصاصا ، ولو تبين براءة المحال عليه من دين المحيل ولا تبطل أيضا ، ولو أن المحال أبرأ المحال عليه من الدين صح ، وإن لم يقبل المحال عليه ، ولا يرجع المحال عليه على المحيل بشيء لأن البراءة إسقاط لا تمليك ، وإن وهبه له احتاج إلى القبول ، وله أن يرجع على المحيل لأنه ملك ما في ذمته بالهبة فصار كما لو ملكه بالأداء وكذا لو مات المحيل فورثه المحال عليه له أن يرجع على المحيل لأنه ملكه بالإرث ، وتمام الكلام فيها قال في البحر وقد وقعت حادثة الفتوى في المديون إذا باع شيئا من دائنه بمثل الدين ، ثم أحال عليه بنظير الثمن أو بالثمن فهل يصح أم لا : فأجبت : إذا وقع بنظيره صحت ; لأنها لم تقيد بالثمن ، ولا يشترط لصحتها دين على المحال عليه ، وإن وقعت بالثمن فهي مقيدة بالدين ، وهو مستحق للمحال عليه لوقوع المقاصة بنفس الشراء وقدمنا أن الدين إذا استحق للغير فإنها تبطل ، والله سبحانه وتعالى أعلم ا هـ : أي لأن الدين لم يسقط بأمر عارض بعد الحوالة بل تبين براءة المحال عليه منه بأمر سابق .




الخدمات العلمية