الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يوم الموت لا يدخل تحت القضاء بخلاف يوم القتل ) فلو برهن على موت أبيه في يوم كذا ثم برهنت امرأة أن الميت نكحها بعد ذلك قضى بالنكاح ولو برهن على قتله فيه فبرهنت أن المقتول نكحها بعده [ ص: 404 ] لا تقبل وكذا جميع العقود والمداينات إلا في مسألة الزوجة التي معها ولد فإنه تقبل بينتها بتاريخ مناقض لما قضى القاضي به من يوم القتل أشباه [ ص: 405 ] واستثنى محشوها من الأول مسائل منها ادعياه ميراثا فلأسبقهما تاريخا .

برهن الوكيل على وكالته وحكم بها فادعى المطلوب موت الطالب صح الدفع . برهن أنه شراه من أبيه منذ سنة وبرهن ذو اليد على موته منذ سنتين لم تسمع وقيل تسمع وسره أن القضاء بالبينة عبارة عن رفع النزاع ، والموت من حيث إنه موت ليس محلا للنزاع ليرتفع بإثباته بخلاف القتل فإنه من حيث هو محل النزاع كما لا يخفى .

التالي السابق


مطلب يوم الموت لا يدخل تحت القضاء

. ( قوله : يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ) أي لا يقضى به قصدا بأن تنازع الخصمان في يوم موت آخر أنه كان في يوم كذا ، بخلاف ما إذا كان المقصود غيره كتقديم ملك أحدهما ; ولذا قال في البزازية فإن ادعيا الميراث وكل منهما يقول : هذا لي ورثته من أبي إن في يد ثالث ولم يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا فأنصافا ، وإن أحدهما أسبق فهو له عند الإمامين وليس فيه القول بدخول يوم الموت تحت القضاء ; لأن النزاع وقع في تقديم الملك قصدا ا هـ ، وفيها ادعى على آخر ضيعة بأنها كانت لفلان وورثتها منه أخته فلانة فماتت وأنا وارثها وبرهن تسمع ، ولو برهن المطلوب أن فلانة ماتت قبل فلان يعني مورثها صح الدفع ، وفيه نظر لما تقرر أن زمان الموت لا يدخل تحت القضاء ، قيل النزاع لم يقع في الموت المجرد فصار كالورثة تنازعوا في تقديم موت المورث من المورث الآخر قبله وبعده كابن الابن مع الابن إذا تنازعا في تقديم موت أبيه قبل الجد أو بعده ا هـ .

( قوله : فلو برهن على موت أبيه ) أي بأن ادعى شيئا لأبيه وبرهن أن أباه مات وتركه ميراثا وأنه مات يوم كذا بيري عن شرح أدب القضاء .

( قوله : قضى بالنكاح ) أي فيجعل لها الصداق والميراث مع الابن ; لأن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ; لأنه لا يتعلق [ ص: 404 ] به حكم ; لأن الميراث لا يستحق بالموت بل بسبب سابق على الموت ، والنكاح سبب سابق وإذا لم يدخل يوم الموت تحت القضاء جعل وجود ذلك التاريخ وعدمه سواء ، ولو عدم تقبل البينتان جميعا ويقضي بحق كل واحد منهما ; لأن العمل بهما ممكن فكذا هنا ا هـ بيري عن شرح أدب القضاء ، وفيه عن الخانية : ويقضي لها القاضي بالمهر والميراث سواء قضى القاضي ببينة الابن أو لا ; لأن القضاء ببينة الابن بموت الأب لا بوقت موته ; لأن حكم الموت لا يتعلق بوقت الموت بل في أي وقت يموت يكون ماله لورثته فصار كأن الابن أقام البينة على موت الأب ولم يذكر الوقت وذلك لا يمنع قبول بينة المرأة ا هـ . [ تنبيه ]

ذكر الخير الرملي في حاشية البحر من باب دعوى الرجلين إذا كان الموت مستفيضا علم به كل كبير وصغير وعالم وجاهل لا يقضي للخصم ، ولا يكون بطريق أن القاضي قبل البينة على ذلك الموت بل بطريق التيقن بكذب المدعي ، وارجع إلى الخانية من كتاب الشهادة في الفصل الثامن عشر يظهر لك صحة ما قلته ا هـ ويأتي ما يؤيده .

( قوله : لا تقبل ) قال في الأجناس : وفرق محمد بينهما بأن القتل يتعلق به حق لازم والموت ليس فيه حق لازم . وبيانه أن القتل ظلما لم يخل عن قصاص أو دية وفي قبول بينة المرأة على النكاح في زمان متأخر إسقاط أصل القتل لامتناع أن يكون مقتولا في زمان ثم يبقى حيا فيتزوج فكان ثبوت القتل يتضمن حقا لازما فلما تضمنت بينة المرأة إسقاط هذا الحق لم يعتد بها ، ولا كذلك بينة الابن على الموت ; لأن المرأة بينتها لا تتضمن إسقاط حق الابن ; لأن الابن يرث مع المرأة كما يرث إذا انفرد فلم تتعارض البينتان في الإرث بين إسقاطه وإثباته فلذلك لم يمتنع قبول بينتها ا هـ وفي البزازية : وكذا لو برهن الوارث أنه قتل مورثه فبرهن المدعى عليه أنه قتله فلان قبل هذا اليوم بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء ا هـ بيري .

( قوله : وكذا جميع العقود ) كالبيع والهبة والنكاح ، فإنها كالقتل تدخل تحت القضاء فلو برهن أنه باعه كذا يوم كذا وبرهن آخر أنه باعه بعد ذلك لم تقبل ، ولو برهن أنه باعه قبله يكون دفعا . وفي الولوالجية : ولو أقامت امرأة البينة أنه تزوجها يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينتها ; لأن النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ .

( قوله : إلا في مسألة الزوجة إلخ ) أي فإن يوم القتل لا يدخل فيها تحت القضاء . وصورتها كما في البحر عن الظهيرية ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا بالسيف منذ عشرين سنة وأنه وارثه لا وارث له سواه وأقام البينة على ذلك ، فجاءت امرأة ومعها ولد وأقامت البينة أن والد هذا تزوجها منذ خمس عشرة سنة ، وأن هذا ولده منها ووارثه مع ابنه هذا قال أبو حنيفة : أستحسن في هذا أن أجيز بينة المرأة وأثبت نسب الولد ولا أبطل بينة الابن على القتل ، وكان هذا الاستحسان للاحتياط في أمر النسب بدليل أنها لو قامت البينة على النكاح ، ولم تأت بالولد فالبينة بينة الابن وله الميراث دون المرأة ، وهذا قول أبي يوسف ومحمد ا هـ ، لكن قوله : ولا أبطل بينة الابن على القتل ينافي دعوى الاستثناء وعن هذا قال الخير الرملي في حاشية البحر في أول باب دعوى الرجلين الظاهر أن حرف النفي زائد ، ولم يذكره في التتارخانية حيث قال : وإبطال بينة الابن على القتل ، والقياس أن يقضي ببينة القتل ا هـ .

قلت : ويستثنى أيضا مسألة أخرى ذكرها في دعوى البحر عن خزانة الأكمل برهن أنه قتل أبي منذ سنة ، وبرهن المشهود عليه أن أباه صلى بالناس الجمعة الماضية قال أبو حنيفة : الأخذ بالأحدث أولى إذا كان شيئا مشهورا ا هـ قال الرملي : وهذا يقيده به وما مضى أيضا وهو قيد لازم لا بد منه حين لو اشتهر موت رجل عند [ ص: 405 ] الناس منذ عشرين سنة فادعى رجل أنه اشترى منه داره منذ سنة لا يقبل ، ثم رأيت ما يشهد به صريحا في التتارخانية في الفصل الثامن في التهاتر لو ادعى المشهود عليه أن الشهود محدودون في قذف من قاضي بلد كذا فأقام الشهود أن القاضي مات في سنة كذا لا يقضي به إذا كان موت القاضي قبل تاريخ شهود المدعى عليه مستفيضا ا هـ مختصرا فراجعه إن شئت ا هـ .

( قوله : من الأول ) وهو أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء .

( قوله : ادعياه ميراثا إلخ ) قدمناه عن البزازية .

( قوله : برهن الوكيل ) أي بقبض المال جامع الفصولين .

( قوله : صح الدفع ) أي إذا برهن المطلوب على الموت ; لأنه ينعزل به الوكيل فالحكم بالموت هنا لا لذاته بل لأجل العزل .

( قوله : من أبيه ) أي من أبي ذي اليد .

( قوله : لم تسمع ) هو الصواب ; لأن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا هـ قنية من باب دفع الدعاوى .

قلت : ووجهه أنه قضاء بيوم الموت قصدا ; لأن ما تضمنه وهو عدم الشراء لا تصح البينة عليه ; لأنه نفي فتمحض قضاء بالموت فلا يصح .

( قوله : وقيل تسمع ) وعليه فهي من المستثنيات كما في البحر .

( قوله : وسره إلخ ) مرتبط بالمتن والمراد بيان وجه الفرق ، ولما كان خفيا عبر عنه بالسر .

( قوله : من حيث إنه موت ) أما إذا كان المقصود من ذكره غيره مما تقام عليه البينة فيكون هو محل النزاع فيدخل تحت القضاء كمسألة دعوى الميراث فإن المقصود من تاريخ الموت تقدم الملك وكمسألة دعوى الوكالة فإن المقصود منه انعزال الوكيل .

( قوله : فإنه من حيث هو ) محل للنزاع قدمنا وجهه في عبارة الأجناس .




الخدمات العلمية