الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وبه ) أي بما ذكر ( يقاس شهر وسنة ) والشهر والسنة في التعريف [ ص: 16 ] والتنكير لكن لا يتأتى هنا إلغاء كما هو معلوم فيقع إذا قال إذا مضى شهر فأنت طالق بمضي ثلاثين يوما ومن ليلة الحادي والثلاثين أو يومه بقدر ما سبق من التعليق من يومه وليلته فإن اتفق تعليقه في أول الهلال وقع بمضيه تاما أو ناقصا ولعل المراد كما قاله الأذرعي إذا تم التعليق أو استعقبه أول النهار ، أما لو ابتدأه أول النهار فقد مضى جزء قبل تمامه فلا يقع بغروب شمسه ، وإذا قال في أثناء شهر إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت بمضي أحد عشر شهرا بالأهلة مع إكمال الأول من الثالث عشر ثلاثين يوما ، وهذا عند إرادته العربية أو الإطلاق ، فإن ادعى إرادة الفارسية أو الرومية دين .

                                                                                                                            نعم إن كان ببلاد الروم أو الفرس فينبغي قبول قوله ، ولو أراد بقوله سنة بقيتها فقد غلظ على نفسه ، أو بقوله إذا مضت السنة سنة كاملة دين ، أو إذا مضى الشهر أو قال السنة فأنت طالق طلقت بمضي بقية ذلك الشهر أو السنة ، أو السنة أو قال في اليوم الآخر من شهر إذا مضى شهر فأنت طالق [ ص: 17 ] فعلى ما سبق في السلم أو علق بمضي شهور فبمضي ثلاثة أو الشهور فبمضي ما بقي من السنة على الأصح عند القاضي وهو المعتمد خلافا للجيلي حيث اعتبر مضي اثني عشر شهرا ، والأوجه أنه لا فرق بين أن يكون الباقي من السنة ثلاثة شهور أو أقل منها حملا للتعريف على إرادة الباقي منها ، ونقل عن الجيلي أنه لو علق بمضي ساعات طلقت بمضي ثلاث ساعات ، أو الساعات فبمضي أربع وعشرين ساعة لأنها جملة ساعات اليوم والليلة ، لكن قياس ما مر الاكتفاء بمضي ما بقي منها ، ولو قال إذا مضى ليل فأنت طالق لم تطلق إلا بمضي ثلاث ليال كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى إذ الليل واحد بمعنى جمع وواحده ليلة مثل تمرة وتمر ، وقد جمع على ليال فزادوا فيها الياء على غير قياس ، ولو حلف لا يقيم بمحل كذا شهرا فأقامه متفرقا حنث كما يأتي في الأيمان ، أو أنت طالق في أول الأشهر الحرم طلقت بأول القعدة لأن الصحيح أنه أولها ، وقيل أولها ابتداء المحرم ذكره الإسنوي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو استعقبه أول النهار ) قضيته عدم اعتبار الليلة الأولى وقضية قوله فإنه اتفق تعليقه في أول الهلال وقع خلافه فكان الظاهر أن يقول أول الشهر ( قوله : بغروب شمسه ) أي بل يكمل مما يليه ( قوله : ببلاد الروم أو الفرس ) أي وإن لم يكن روميا ولا فارسيا ( قوله : ولو أراد بقوله سنة بقيتها ) وبقي ما لو قال أنت طالق إذا مضت السنون فهل تطلق بمضي ثلاث وإن كان الباقي من وقت التعليق دون سنة ، أو لا تطلق إلا بمضي ثلاث سنين من وقت حلفه فيه نظر ، والظاهر الثاني لأنه أقل مسمى الجمع وليس ثم معهود شرعي يحمل عليه ، ولا يصح حمله على الاستغراق لعدم توهم إرادته هنا فليتأمل ( قوله : دين ) وينبغي أن يجري هذا في إذا مضى اليوم أو الشهر ا هـ سم على حج ( قوله : أو السنة ) ببعض الهوامش : فرع : سئل شيخنا إذا علق طلاق زوجته على تمام سنة ست وستين وألف مثلا من الهجرة النبوية فهل يقع عليه الطلاق بمضي ذي الحجة ختام تلك السنة أو لا يقع إلا بمضي المحرم وصفر وعشرة أيام من ربيع لأنه أول عام الهجرة في الحقيقة ؟ فيه توقف ، ووجه التوقف ظاهر لأن العصمة محققة لا تزال إلا بيقين ، ولا يقين إلا بمضي تلك المدة التي وقعت فيها الهجرة حقيقة وهي أثناء ربيع ، ويحتمل أن يقع عند تمام الحجة من السنة المعلق عليها لأنهم إنما أرخوا السنة في أول المحرم ولم يؤرخوها بربيع حرره ا هـ .

                                                                                                                            كذا نقل بهامش عن الشيخ محمد البابلي . أقول : والثاني هو المتعين الذي ينبغي الجزم به من غير تردده فيه لأن هذا صار هو المتيقن في عرف الشرع ولا نظر لغيره ، وإطباقهم في التاريخ على أول المحرم وتصريح الفقهاء بأنه أول السنة الشرعية دليل ظاهر على أنهم ألغوا الكسر من السنة الأولى وجعلوا بقيتها منه ، فصار أول كل سنة بعد الأول هو المحرم فأشبه المنقولات الشرعية كالصلاة الموضوعة شرعا للهيئة المخصوصة ومن ثم لو حلف لا يصلي لا يحنث إلا بذات الركوع والسجود لأنها مسمى الصلاة شرعا [ ص: 17 ] قوله : فعلى ما سبق في السلم ) أي وهو أنه إن نقص الشهر الذي يلي يوم التعليق طلقت بآخره وإن تم وقع في مثل وقت التعليق من اليوم الأخير بتكميل المنكسر ( قوله : فبمضي ما بقي من السنة ) أي وإن كان شهرا أو أقل لأنه محمول على شهور السنة التي وقع فيها التعليق .

                                                                                                                            ( قوله : على إرادة الباقي منها ) أي وإن قل كيوم فكأنه قال باقي هذه الشهور وهي السنة التي هو فيها ( قوله : بمضي ساعات ) أي مستوية وهي التي مقدار الواحدة منها خمس عشرة درجة ( قوله : فبمضي أربع وعشرين ساعة ) معتمد ( قوله : بمعنى جمع ) يخالفه ما نقل عن الزمخشري في تفسير قوله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } من أن الليل يصدق بجزء من الليل وإن قل ومن ثم نكره في الآية فكأنه قيل أسرى بعبده في جزء قليل ( قوله على غير قياس ) ولينظر فيما لو قال إذا مضى الليل هل ينصرف لليلة التي هو فيها فيحنث بمضي الباقي منها لأن ليلا وإن كان بمعنى الجمع إلا أنه بدخول أل يحمل على الجنس وينصرف للمعهود فيه نظر ، وقد يقال قد اعتبر الثلاث في الأيام والنساء في لا أتزوج النساء مع دخول لام الجنس ا هـ سم على حج : أي فيعتبر هنا أيضا الثلاث ( قوله : ولو حلف لا يقيم إلخ ) هذا مخالف لما سيأتي له في أول فصل علق بأكل رغيف إلخ ، وعبارته ثم أو لا يقيم بكذا مدة كذا لم يحنث إلا بإقامة كذا متواليا لأنه المتبادر عرفا انتهى وهو قريب .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال في الدرس عن شخص قال لزوجته ما دمت تتوجهين إلى بيت أهلك فأنت طالق [ ص: 18 ] فتوجهت فهل يقع عليه طلقة فقط أم لا ؟ فيه نظر ، والجواب عنه بأن الذي يظهر أن المقصود من مثل هذا أنه يقول متى ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق . فإذا ذهبت طلقت طلقة واحدة وانحلت اليمين لعدم اقتضاء ما هو المتبادر من كلامه على عدم التكرار .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال في الدرس أيضا عمن حلف لا يكلم فلانا يوم الجمعة مثلا سنة فهل يحنث بكلامه له عقب الحلف في أي يوم كان جمعة أو غيره قبل مضي السنة أو لا يحنث بكلامه في غير يوم الجمعة وتحمل السنة على أنها ملفقة من يوم الجمعة خاصة ؟ فيه نظر ، والجواب عنه بأنه يحتمل الأول لأن مثل هذا إنما يراد به التعميم فكأنه قال لا أكلمه يوم الجمعة بل لا أكلمه سنة ، ويحتمل وهو الظاهر أن يراد لا أكلمه يوم الجمعة خاصة في مدة سنة أولها وقت الحلف فلا يحنث بتكليمه في غير يوم الجمعة من أيام السنة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : فيقع إذا قال إذا مضى شهر إلخ . ) هذه صورة التنكير وستأتي صورة التعريف بما فيها ( قوله : ولعله في إذا مضى شهر إلخ . ) كذا في النسخ ، وصوابه يوم بدل شهر ، وهو الذي مر في المتن آنفا ذكره الأذرعي هنا مع مسألة شهر فإنه نقل تصوير مسألة شهر المنكر بنحو ما في الشارح هنا عن الرافعي إلى قوله تاما أو ناقصا ، ثم قال عقبه : وهو يفهم أنه إذا اتفق قوله : في ابتداء شهر أنه يكتفى به ثم قال : ومثله في صورة إذا مضى يوم أنه إذا انطبق التعليق على أول النهار طلقت بغروب شمسه ، ثم قال : ولعل مراده : أي الرافعي ما إذا تم التعليق واستعقبه أول النهار وإلا فمتى ابتدأ التعليق في أول النهار ، فيكون قد مضى جزء من اليوم قبل تمام التعليق ، فينكسر اليوم فلا يقع بغروب شمسه . ا هـ . ( قوله : أو إذا مضى شهر ) هذا هو صورة التعريف في المتن فكان ينبغي له [ ص: 17 ] خلاف هذا الصنيع ( قوله : فعلى ما سبق في السلم ) عبارة التحفة : ومحله أي محل تكميل الشهر من ليلة الحادي والثلاثين أو يومها السابق في أول كلام الشارح إن كان في غير اليوم الأخير وإلا ومضى بعده شهر هلالي كفى نظير ما في السلم انتهت لكنه إنما يظهر إن كان الشهر الهلالي ناقصا وإلا تلزم الزيادة على ثلاثين يوما ، ولعل مراده الناقص بدليل تعبيره يكفي فليحرر ( قوله : الاكتفاء بمضي ما بقي منها ) وانظر هل يعتبر ابتداؤها من الليل أو النهار ( قوله : لم تطلق إلا بمضي ثلاث ليال ) ولا يشكل عليه ما قاله الزمخشري في قوله تعالى { أسرى بعبده ليلا } إنما قال ليلا ولم يقل ليلة لأنه يشمل القليل كالكثير ، ووجه عدم الإشكال أن الليل في الآية وقع ظرفا للإسراء فاقتضت عدم استغراقه بالإسراء وشملت القليل منه الشامل لبعض ليلة كما هو الواقع ، بخلاف مسألتنا فإن الطلاق فيها معلق بمضي الليل وهو لا يتحقق إلا بمضي جميعه ( قوله : فزادوا فيه الياء ) أي في آخره




                                                                                                                            الخدمات العلمية