الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) في موجب إزالة المنافع وهي ثلاثة عشر ( في ) إزالة ( العقل ) الغريزي

                                                                                                                            والمراد به هنا العلم بالمدركات الضرورية الذي به التكليف بنحو لطمة ( دية ) واجبة كالتي في نفس المجني عليه وكذا في سائر ما مر ، ويأتي إجماعا ، لا قود لاختلاف العلماء في محله وإن كان الأصح عندنا كأكثر أهل العلم أنه في القلب للآية ، وإنما زال بفساد الدماغ لانقطاع مدده الصالح الواصل إليه من القلب فلم ينشأ زواله حقيقة إلا من فساد القلب ، أما المكتسب وهو ما به حسن التصرف والخلق فواجبه حكومة لا تبلغ دية الغريزي ، وكذا بعض الأول إن لم ينضبط فإن انضبط بالزمن أو بمقابلة المنتظم بغيره فالقسط ، ولو توقع عوده وقدر له خبيران مدة يعيش إليها غالبا انتظر فإن مات قبل العود وجبت الدية [ ص: 334 ] كما في البصر والسمع ( فإن زال بجرح له أرش ) مقدر كالموضحة ( أو حكومة وجبا ) أي كل من الأرش والحكومة مع دية العقل وإن كان أكثر ; لأنها جناية أبطلت منفعة ليست في محل الجناية فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره ، فلو قطع يديه ورجليه فزال عقله وجب ثلاث ديات ، أو أوضحه في صدره فزال عقله فدية وحكومة ( وفي قول يدخل الأول في الأكثر ) كأرش الموضحة وكذا إن تساويا كأرش اليدين كما لا يجمع بين واجب الجناية على الحدقة وواجب الضوء ، ويجاب باتحاد المحل هنا يقينا بخلاف ما نحن فيه ( ولو ادعي ) ببنائه للمفعول إذ لا تصح الدعوى من مجنون ، وإنما تسمع من وليه أو للفاعل وحذف للعلم به إذ من المعلوم أن المجنون لا يصح منه ذلك بل من وليه فسقط القول بتعين الأول ( زواله ) وكذبه الحس لم تسمع دعواه كأن كانت تلك الجناية لا تزيله عادة فيحمل على موافقة قدر كموته بقلم خفيف ، وإلا سمعت ، فإن أنكر الجاني زواله اختبر المجني عليه في غفلاته إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه ( فإن لم ينتظم ) بالبينة أو بعلم الحاكم

                                                                                                                            ( قوله : وفعله في خلواته فله دية ) لقيام القرينة الظاهرة على صدقه ( بلا يمين ) ; لأنها تثبت جنونه ، والمجنون لا يحلف ، فإن اختلفا في جنون متقطع حلف زمن إفاقته ، وإن انتظما فلا دية لظن كذبه ، وحلف الجاني لاحتمال أنهما صدرا اتفاقا أو عادة وخرج بزواله نقصه فيحلف مدعيه ; إذ لا يعلم إلا منه ، ولو أخذت دية العقل أو غيره من بقية المعاني ثم عاد استردت

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فرع ) في إزالة العقل

                                                                                                                            قال الشيخ عميرة : قدم ; لأنه أشرف المعاني ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : والمراد به هنا العلم ) وفسر في نواقض الوضوء بأنه غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات ، وعليه فانظر السبب الداعي إلى تفسيره هنا بالعلم دون الغريزة ، مع أن الظاهر أن الذي يزول إنما هو الغريزة التي يتبعها العلم لا نفسه

                                                                                                                            ( قوله : إجماعا ) أي من الأمة لا الأئمة الأربعة فقط ، وهكذا كل موضع عبر فيه بالإجماع ، وأما الاتفاق فقد يستعمل في اتفاق أهل المذهب

                                                                                                                            ( قوله : للآية ) هي قوله تعالى { لهم قلوب لا يفقهون بها }

                                                                                                                            ( قوله : من القلب ) صلة لانقطاع

                                                                                                                            ( قوله : وكذا بعض الأول ) أي الغريزي ( قوله فإن انضبط ) أي الأول ، وقوله بالزمن كما لو كان يجن يوما ويفيق يوما ، أو غيره بأن يقاس صواب قوله وفعله بالمختل منهما ويعرف النسبة بينهما وإلا : أي وإن لم ينضبط بأن كان يفزع أحيانا مما لا يفزع [ ص: 334 ] ويستوحش إذا خلا فالحكومة ا هـ روض وشرحه ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : وإنما تسمع من وليه ) هذا مع قوله الآتي : لأنها تثبت جنونه إلخ يعلم منه أن الدعوى تتعلق بالولي واليمين بالمجني عليه وتارة تنتفي عنه بأن دام جنونه وتارة تثبت في حقه بأن تقطع ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وقول سم : واليمين بالمجني عليه ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الجنون المتقطع والمطبق في أن الدعوى إنما تكون من الولي ، وينبغي أن المجني عليه لو ادعى زمن إفاقته سمعت دعواه ثم رأيته على حج صرح بذلك في قولة أخرى ، فالمراد بدعوى الولي في الجنون المتقطع أنه إن اتفق له ذلك زمن الجنون المتقطع سمعت ولا يكلف التأخير إلى زمن الإفاقة ليدعي المجنون بنفسه

                                                                                                                            ( قوله : وإلا سمعت ) أي بأن لم يكذبه الحس

                                                                                                                            ( قوله : حلف زمن إفاقته ) أي المجني عليه ( قوله : ثم عاد استردت ) علل ذلك بأن ذهابها كان مظنونا : أي فبعودها بان خلاف الظن ، وقضيته أنه لو أخبر بذهابها معصوم لم تسترد ; لأن عودها حينئذ نعمة جديدة فليراجع



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فرع ) في موجب إزالة المنافع ( قوله لانقطاع مدده ) أي الدماغ ، والمراد من هذا الكلام بدليل آخره أن الدماغ حيثما فسد فإنما ينشأ فساده من فساد القلب ، إذ بفساد القلب ينقطع المدد الذي كان يصل إلى الدماغ منه ، فيفسد الدماغ بفساده ، [ ص: 334 ] ففساده لا يكون إلا من فساد القلب ، فالعقل إنما زاد في الحقيقة بفساد القلب ( قوله : أي كل من الأرش والحكومة ) أي أحدهما ، وإنما عبر بالواو لقول المصنف وجبا ( قوله : وكذا إن تساويا ) وحينئذ فهذا القيل قائل بالدخول مطلقا كما لا يخفى




                                                                                                                            الخدمات العلمية