الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وقال الزركشي وغيره : نفقة المبعض : أي المعجوز عن نفقة في بيت المال إن لم يكن بينهما مهايأة وإلا فعلى من هي في نوبته ا هـ .

                                                                                                                            وهذا في غير أم الولد .

                                                                                                                            أما هي فلا تباع قطعا ولا يجبر على إعتاقها في الأصح بل تؤجر أو تزوج ، [ ص: 239 ] فإن لم يمكن نفقتها في بيت المال ( ويجبر ) السيد إن شاء ( أمته ) ولو أم ولد ( على إرضاع ولدها ) أي يجوز له ذلك سواء أكان منه أم مملوكا له من زوج أو زنا أو حرا ; لأن لبنها ومنافعها له ، بخلاف الزوجة فإن الزوج لا يملك ذلك منها ، ولو طلبت إرضاعه لم يجز له منعها منه ; لأن فيه تفريقا بين الوالدة وولدها إلا عند الاستمتاع بها فله منعها منه ، ووضع الولد عند غيرها إلى فراغ استمتاعه ، وإلا إذا كان الولد حرا من غيره أو مملوكا لغيره فله منعها من إرضاعه غير اللبأ الذي لا يعيش إلا به ويسترضعها غيره ; لأن إرضاعه على والده أو مالكه ، نقله ابن الرفعة وغيره عن الماوردي وأقروه ، وله طلب أجرة الرضاع من أبي ولدها الحر ومن سيد ولدها الرقيق ، ولا يلزمه التبرع به كما لا يلزم الحرة التبرع به ، فإن تبرع به كان له ذلك ، وإن لم ترض به ( وكذا غيره ) أي غير ولدها ( إن فضل عنه ) أي عن ريه إما لغزارة لبنها أو لقلة شربه أو لاغتنائه بغير اللبن في أكثر الأوقات أو موته لما مر كما له تكليفها غيره من سائر الأعمال التي تطيقها .

                                                                                                                            أما إذا لم يفضل عن ريه فلا يجبرها على إرضاع غيره ، ولو بأجرة لقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } ولأن طعامه اللبن فلا ينقص عنه كالقوت ، وقد علم مما مر أن هذا إذا كان ولدها حرا من السيد أو مملوكا له وإلا فله أن يمنعها من إرضاعه ويسترضعها غيره ( و ) على ( فطمه قبل حولين إن لم يضره ) بأن اجتزأ بغير اللبن ; لأنه قد يريد التمتع بها ولا ضرر على الولد في ذلك ( و ) على ( إرضاعه بعدهما إن لم يضرها ) ولا ضره الإرضاع ، واقتصر في كل من القسمين على الأغلب فلا يرد عليه ما زدناه سواء أكفاه غير اللبن أم لا ; لأن لبنها ومنافعها له كما مر وليس لها استقلال بإرضاع ولا فطام ; إذ لا حق لها في التربية ( وللحرة حق في التربية فليس لأحدهما ) أي الأبوين الحرين ، ويتجه إلحاق غيرهما ممن له الحضانة عند فقدهما بهما في ذلك ( فطمه قبل حولين ) من غير رضا الآخر ; لأنهما تمام مدة الرضاع ، فإن تنازعا أجيب الداعي إلى إكمال الحولين ، إلا إذا كان الفطام قبلهما أصلح للولد فيجاب طالبه كفطمه عند حمل الأم أو مرضها ولم يوجد غيرها .

                                                                                                                            وكلامهم محمول على الغالب كما ذكره الأذرعي ( ولهما ) ذلك ( إن لم يضره ) لقوله تعالى { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور } أي لأهل الخبرة أن ذلك يضر الولد أو لا { فلا جناح عليهما } ( ولأحدهما ) فطمه ( بعد حولين ) من غير رضا الآخر إن لم يضره بأن اجتزأ بالطعام وكان في فصل معتدل لما مر ( ولهما الزيادة ) على الحولين لما مر [ ص: 240 ] حيث لا ضرر ، لكن أفتى الحناطي بأنه يسن عدمها إلا لحاجة ( ولا يكلف رقيقه ) عملا على الدوام ( إلا عملا يطيقه ) على الدوام فيجوز له تكليفه إياه ويتبع في تكليفه ما يطيقه العادة كإراحته في وقت القيلولة والاستمتاع ، وفي العمل طرفي النهار وإراحته من العمل إما في الليل إن استعمله نهارا أو في النهار إن استعمله ليلا ، وإن اعتادوا خدمة الأرقاء نهارا مع طرفي الليل اتبعت عادتهم ، فعلم أنه لا يجوز له أن يكلفه عملا على الدوام لا يطيقه لخبر مسلم المار ، فلا يجوز له أن يكلفه عملا على الدوام يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه ، فعلم أنه يجوز له أن يكلفه الأعمال الشاقة في بعض الأوقات ، ولو كلف رقيقه ما لا يطيقه أو حمل أمته على الفساد أجبر على بيع كل منهما إن تعين طريقا في خلاصه كما قيده الأذرعي ، ويجب على الرقيق بذل جهده في العمل ، وترك الكسل فيه .

                                                                                                                            ( وتجوز ) ( مخارجته ) أي القن ( بشرط رضاهما ) فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها ; لأنها عقد معاوضة فاعتبر فيه التراضي كغيره ، ويؤخذ من كونها عقد معاوضة اعتبار الصيغة من الجانبين وأن صريحها خارجتك وما اشتق منه وأن كنايتها باذلتك على كسبك بكذا ونحوه ( وهي خراج ) معلوم ( يؤديه كل يوم أو أسبوع ) أو شهر أو سنة مما يكسبه حسبما يتفقان عليه ففي الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم أعطى أبا طيبة صاعين أو صاعا من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه خراجه } ، وروى البيهقي " أنه كان للزبير ألف مملوك يؤدون الخراج لا يدخل بيته من خراجهم شيئا بل يتصدق بجميعه ، ومع ذلك بلغت تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف " رواه البيهقي .

                                                                                                                            ويشترط أن يكون له كسب مباح دائم يفي بالخراج فاضلا عن نفقته وكسوته إن جعلهما فيه ، فإن زاد كسبه على ذلك فالزيادة بر وتوسيع من سيده له ، وأن يكون ممن يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا كما هو ظاهر ، ولو خارجه على ما لا يحتمله [ ص: 241 ] لم يجز ويلزمه الحاكم بعدم معارضته ، فقد روى الشافعي بسنده عن عثمان أنه قال في خطبته : لا تكلفوا الصغير الكسب فيسرق ، ولا الأمة غير ذات الصنعة فتكتسب بفرجها ، وكذا رواه البيهقي ، ووقع في النهاية عزوه إلى عمر ، ويجبر النقص في بعض الأيام بالزيادة في بعضها ، وقد علم أن مؤنته تجب حيث شرطت من كسبه أو من مال سيده ، وما بحثه بعضهم من أن للولي مخارجة قن محجوره مصلحة محل نظر ; لأن فيها تبرعا وإن كانت بأضعاف قيمته وهو ممنوع منه .

                                                                                                                            نعم لو انحصر صلاحه فيها وتعذر بيعه نظير ما مر آخر الحجر من بيع ماله بدون ثمن مثله جاز للضرورة ، ويكره أن يقول المملوك لمالكه : ربي بل يقول سيدي ومولاي ، وأن يقول السيد عبدي وأمتي بل يقول : غلامي وجاريتي أو فتاتي وفتاي ، ولا كراهة في إضافة رب إلى غير المكلف كرب الدار ورب الغنم ، ويكره أن يقول للفاسق أو للمتهم في دينه يا سيدي

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            : ( قوله : المعجوز عن نفقته ) أي كلها

                                                                                                                            ( قوله : وهذا ) أي كلام المصنف

                                                                                                                            ( قوله : بل تؤجر ) أي وجوبا ، وقوله : أو تزوج تقدم قبيل نفقة القريب أن السيد لا يجبر على تزويجها ولا على بيعها من نفسها ، وإنما يجبر على تخليتها للكسب أو إيجارها ، فإن تعذر ذلك فنفقتها في بيت المال ، وهو صريح في أنه ينفق عليها من بيت المال ، وإن أمكن تزويجها ، وما هنا صريح في أن التزويج يقدم على بيت المال ، إلا أن يقال : إن ما هنا [ ص: 239 ] محمول على ما إذا أراد السيد تزويجها ، وما تقدم محمول على خلافه ، ويؤيده أن الكلام ثم فيمن حضر مولاها . أما من غاب عنها مولاها ، ولم يعلم له مال ولا لها كسب فتزوج ، وحيث فرض ذلك كان التزويج بغير رضا السيد ومعرفته

                                                                                                                            ( قوله : فإن لم يمكن ) أي الإجارة والتزويج ( قوله : ويجبر ) بضم الياء من أجبر ( قوله ووضع الولد ) ومعلوم أن ذلك حيث لا ضرر على الولد

                                                                                                                            ( قوله : أو مملوكا ) أي كأن أوصى به

                                                                                                                            ( قوله : فله منعها من إرضاعه غير اللبأ ) أي أما هو فليس له منعها من إرضاعه لكن لا يجب عليه ذلك مجانا خلافا للزركشي شرح الروض ا هـ سم على منهج ( قوله : ولا يلزمه التبرع به ) أي الإرضاع ( قوله : ولا ضرر ) من جملة التعليل ( قوله واقتصر في كل ) قد يتقابل الضرران إن كان فطمه قبل الحولين يضره وإرضاعه حينئذ يضرها فحرر حكمه ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            أقول : ولعل حكمه أن الأب يجب عليه إرضاعه لغيرها إن أمكن ، وإلا فلا يجب على الأم بل يفطم ، وإن لحقه الضرر

                                                                                                                            ( قوله : فلا يرد عليه ما زدناه ) أي في إرضاعه بعد الحولين من قوله : ولا ضره الإرضاع إلخ

                                                                                                                            ( قوله : وليس لها استقلال بإرضاع ) [ ص: 240 ] أي بعد الحولين ، وقوله ولا فطام : أي قبل الحولين أو بعدهما

                                                                                                                            ( قوله : حيث لا ضرر ) استدراك على ما يوهمه الكلام السابق من استواء الأمرين ( قوله : بأنه يسن عدمها ) أي الزيادة اقتصارا على ما ورد

                                                                                                                            ( قوله : في بعض الأوقات ) أي حيث لا يضر بأن يخشى منه محذور تيمم فيما يظهر ويحتمل الضبط بما لا يحتمل عادة ، وإن لم يخش منه ذلك المحذور ا هـ حج .

                                                                                                                            ولعل الاحتمال أقرب ، وبقي ما لو رغب العبد في الأعمال الشاقة من تلقاء نفسه فهل يجب على السيد منعه منها ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الوجوب ; لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه ، ويحتمل المنع ; لأنه قد يؤدي إلى ضرر يجر إلى إتلافه أو مرضه الشديد ، وفي ذلك تفويت مالية على السيد بتمكينه فينسب إليه فينزل منزلة ما لو باشر إتلافه

                                                                                                                            ( قوله : أو حمل أمته على الفساد ) أي فلو تنازعا في ذلك صدق السيد

                                                                                                                            ( قوله : لأنها عقد معاوضة ) كالكتابة ، ومع ذلك لا تلزم من جهة السيد كما هو ظاهر ا هـ حج ( قوله : حسبما يتفقان ) وقع مثل هذا التركيب في كلام البيضاوي حيث قال : ثم بين للناس ما نزل إليهم حسبما عن لهم ، وكتب عليه خسرو ما نصه : في قوله حسبما : أي قدر ما متعلق ببين ونزل يقال ليكون عملك بحسب ذلك : أي بقدره وقد تسكن السين في الضرورة ومثله في السيد ، وهو يفيد أنه بفتح السين وأن السكون ضرورة

                                                                                                                            ( قوله : وأعطى أبا طيبة ) أي لما حجمه ا هـ حج

                                                                                                                            ( قوله : ومائتي ألف ) أي من الدراهم الفضة

                                                                                                                            ( قوله : وتوسيع من سيده ) أي فلو أراد سيده أخذه منه هل يجوز [ ص: 241 ] لكونه لا ملك له أو لا لالتزامه جعله للعبد بعقد معاوضة الذي يظهر الأول أخذا من قوله فالزيادة بر وتوسيع ، ثم رأيت العراقي صرح بذلك ، وقال حج : ويتصرف فيها كالحر

                                                                                                                            ( قوله : مصلحة ) أي إن رآه مصلحة

                                                                                                                            ( قوله : نظير ما مر ) لا يخفى أنه قد يكون بحيث لو خارجه اكتسب ذلك القدر ، وإلا لم يمكن اكتسابه إياه ، وهذه مصلحة يجوز اعتبارها ، وإن لم يتعذر بيعه بل قد تكون أصلح من بيعه ا هـ سم على حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 239 ] ( قوله : سواء أكان منه أم مملوكا له إلخ . ) عبارة التحفة : ولو من غيره بزنا أو غيره ( قوله : إن لم يضره ) أي أو يضرهما كما في التحفة ، ولعل الكتبة أسقطته من الشارح بعد إتيانه بدليل قوله فيما يأتي واقتصر في كل من القسمين إلخ . [ ص: 240 ] قوله : ويتبع في تكليفه ما يطيقه العادة إلخ . ) عبارة الروض ويتبع العادة في القيلولة والعمل طرفي النهار ويريحه من العمل إما الليل أو النهار انتهت ( قوله : وأن صريحها خارجتك إلخ . ) انظر وجه أخذ هذا وما بعده ( قول المتن وهي خراج إلخ . ) فيه استخدام ( قوله : رواه البيهقي ) لا حاجة إليه مع ما مر في صدر الحديث ( قوله : بر وتوسيع ) أي ، فيجوز للرقيق التصرف فيه ، وإن كان لا يملكه ، ومعلوم أن للسيد منعه منه وهو مصرح به [ ص: 241 ] قوله : لا تكلفوا الصغير ) أي الذي لا يحتمل ليتم الدليل ( قوله : وأن يقول السيد عبدي وأمتي ) لعل وجهه أن العبدية الحقيقية لا تكون إلا له تعالى والأمة في الأنثى بمنزلة العبد في الذكر ( قوله : إلى غير مكلف ) أما المكلف : يعني : من شأنه التكليف ، وإن كان صبيا فيكره إضافة رب إليه




                                                                                                                            الخدمات العلمية