الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 362 ] وكتأجيج نار في يوم عاصف ;

التالي السابق


وعطف على المشبه في الضمان مشبها آخر فيه فقال ( وكتأجيج ) أي إيقاد ( نار في يوم ) أي وقت ريح ( عاصف ) أي شديد فأحرق شيئا فإنه يضمنه من أججها . ابن عرفة في حريم البئر منها من أرسل في أرض نارا أو ماء فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فأحرقته فلا شيء عليه ، وإن لم يؤمن وصول ذلك إليها لقربها فهو ضامن ، وكذلك الماء وما قتلت النار من نفس فعلى عاقلة مرسلها .

وشبه ابن رشد بهذا ما في العتبية في سماع محمد بن خالد بن القاسم في رجل طبخ سكرا [ ص: 363 ] في قدر سترها عن أعين الناس بقصب وكان صبي نائما خلف القصب لا علم للطابخ به ففارت القدر بما فيها فأصاب الصبي ما خرج منها فمات فلا شيء عليه . الصقلي عن سحنون ما قتلته النار ينظر فيه من يجوز له إيقادها ومن لا يجوز له . قلت يريد سقوط الدية عن عاقلة الأول وثبوتها على عاقلة الثاني . أشهب إن تخاوفوا على زروعهم فقاموا لردها فأحرقتهم فهدر لا دية لهم على عاقلة ولا على غيرها . ابن عبد السلام سئل ابن كنانة عمن أشعل نارا في حائط فعدت على غيره فأحرقته من زرع أو حائط أو مسكن أو غيرها فقال عليه غرم ما أشعل فيه لا ما عدت عليه . ابن عبد السلام يقوم منه خلاف ما في هذا الأصل ، ويرد بأن عدم ضمانه في مسألة ابن كنانة إنما هو فيما لم يقصده المتعدي ، والضمان في مسألة الكتاب إنما هو فيما قصده حيث أوقد النار حين هبوب الريح ولا يلزم من عدم الضمان فيما لم يقصده عدمه فيما قصده ، وجواب ابن كنانة هو مقتضى نقل اللخمي المذهب خلاف مقتضى نقل أبي حفص عنه ، ففي كتاب الدور منها أن شرط رب الدار على مكتريها أن لا يوقد فيها نارا فأوقد المكتري فيها نارا لخبزه فأحرقت الدار ضمن .

اللخمي إن أحرقت الدار وغيرها ضمن الدار المكتراة فقط إن كان الإيقاد بصفة لو أذن رب الدار فيه لم يكن لمن يليه فيه مقال . وإن كان بصفة يكون لجاره منعه ضمن جميع ما احترق . بعض شيوخ عبد الحق الفرق بين هذا وبين قولها إن أحرقت فرنه دور جيرانه فهو غير ضامن أن هذا فعل ما لا يجوز له ، فإن كان مما يجوز له لولا الشرط فلا ضمان عليه كقوله فيمن حفر بئرا في داره لسارق أنه يضمن ما يسقط فيها من سارق وغيره لأنه لا يجوز له ، ومثله نقل أبو حفص بن العطار .




الخدمات العلمية