الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجراح الجسد ; وإن منقلة بالمساحة [ ص: 43 ] إن اتحد المحل : كطبيب زاد عمدا ; [ ص: 44 ] وإلا فالعقل : كيد شلاء عدمت النفع بصحيحة ، [ ص: 45 ] وبالعكس وعين أعمى ، ولسان أبكم

التالي السابق


( و ) يقتص من ( جراح الجسد ) أي ما عدا الرأس إن لم تكن منقلة ، بل ( وإن ) كانت جراح الجسد ( منقلة ) البناني صوابه وإن هاشمة فقد قال الإمام مالك " رضي الله عنه " الأمر المجمع عليه عندنا أن المنقلة لا تكون إلا في الرأس والوجه . ابن الحاجب في جراح الجسد من الهاشمة وغيرها القود بشرط أن لا يعظم الخطر كعظام الصدر والعنق والصلب والفخذ . ابن عرفة فيها لمالك " رضي الله عنه " في عظام الجسد القود كالهاشمة ، وفي كسر الزندين والذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والترقوة . محمد وفي كسر الأنف .

ويكون القصاص في الجراح ( بالمساحة ) بكسر الميم أي القياس عند ابن القاسم طولا وعرضا وعمقا ، أي انخفاضا وغوصا في البدن . وإن اختلفت نسبته لعضو الجاني والمجني عليه بأن كان الجرح قدر أصبع وهو ربع عضو الجاني وأكثر من ربع عضو المجني عليه أو أقل . ابن الحاجب وفي اعتبار القدر بالمساحة أو بالنسبة إلى قدر الرأس قولان لابن القاسم وأشهب ، وعليهما لو كانت الشجة نصف رأس المشجوج وهي ثلثا رأس الشاج ، ولا تكمل بغير الرأس اتفاقا .

ابن حارث اتفقوا في جراح العمد في الجسد أن القصاص منها على قدر الجرح في طوله وعرضه وعمقه ، فإن كان موضحة في الرأس فقال ابن القاسم القود على قدر الموضحة ، [ ص: 43 ] وذكر ابن عبدوس عن أشهب أنه على قدر جرمها من الرأس . أصبغ وإليه رجع ابن القاسم سحنون ما زعم أصبغ أنه رجع إليه هو قوله أولا ورجع إلى القود على قدر الموضحة وسمع القرينان في طبيب استقاد من أصبع المقطوع وقطع من القاطع قدر ذلك القياس ، فنقص من المستقاد منه أكثر مما قطع لقصر أصابع المستقاد منه عن أصابع المستقاد له أخطأ وبئس ما صنع ، والصنع في ذلك أن يقيس إلى المقطوع بعضها . فإن كان المقطوع ثلثا أو ربعا قطع من أنملة القاطع ثلثا أو ربعا . ابن رشد لا اختلاف في هذا كما تقطع الأنملة كانت أطول أو أقصر ، وإنما اختلف في الجراح في الرأس أو في عضو كالذراع أو العضد ونحوه ، فذكر قول ابن القاسم وقول أشهب ، قال وقال محمد الأمر كما قال أشهب .

وقال ابن القاسم قديما إنه يقاد بقدر الجرح الأول وإن استوعب عضو المستقاد منه يريد ولو لم يف بالقياس ، فليس عليه غير ذلك ، وكذا الجبهة والذراع يريد ما لم يضق عنه العضو فلا يزاد من غيره . والصحيح عندي قول ابن القاسم القديم لقوله تعالى { والجروح قصاص } لأن الألم في الجرح إنما هو بقدر عظمه وقوله وقصره لا بقدره من الرأس .

وكون القصاص بالمساحة ( إن اتحد المحل ) فلو زادت المساحة على عضو الجاني لقصره فلا ينتقل لعضو آخر وإن كان عضو الجاني أكبر فلا يزاد على المساحة . وشبه في القصاص فقال ( كطبيب زاد ) في القصاص من الجاني على المساحة ( عمدا ) فيقتص بقدر مساحة الزيادة الشارح كذا قاله الشيوخ وفيه نظر لأن المماثلة متعذرة هنا ، لأن زيادة الطبيب بعد قطع المأذون فيه ، فإذا أريد القصاص فلا يتوصل له إلا بعد قطع يتصل به البساطي لم يظهر لي صحة هذا الكلام لأنه إذا قطع الطبيب دائرة مثلا ، والموضع المأذون فيه دائرة في ضمن هذه الدائرة فما بين محيطي الدائرتين قدر مساحة كذا فيكسر ويقتص دائرة بقدره مثلا ، فإن قلت الدائرة التي اقتصت منه ليست على كيفية الدائرة التي تعدى عليها .

قلت إنما يعتبر في القصاص قدر المساحة ، وأما كونها مثلثة أو مربعة إلى غير ذلك [ ص: 44 ] فقدر زائد على المساحة . تت ما أورده الشارح نحوه في التوضيح تبعا لابن عبد السلام ، وجواب البساطي فيه نظر لأنه لا يتأتى في العمق فالإيراد باق ، والله تعالى أعلم . طفي من تنظيره في الجواب نظر ، بل كذلك يتأتى في العمق كما أشار إليه ابن عرفة ، فإنه لما ذكر إيراد ابن عبد السلام قال هذا مثل ما قاله في الاجتماع على قطع يد رجل وتعقبه القصاص من الثاني ، وتقدم جوابه . ا هـ . والذي قاله ابن عبد السلام في الاجتماع على قطع يد رجل هو قوله في قول ابن الحاجب ، أما لو تميزت الجنايات من غير ممالأة اقتص من كل واحد بمساحة ما جرح ، هذا صحيح إذا بانت اليد ، وكان ابتداء حدهما للقطع من غير الجهة التي ابتدأ الآخر منها .

وأما لو قطع أحدهما نصف اليد وابتدأ الثاني القطع من حيث انتهى الأول وقطع باقيها ، فإن السكين يوضع في القصاص في الموضع الذي ابتدأ هو به ، فقال ابن عرفة هذا لا ينافي التماثل لأن الجاني إنما ابتدأ القطع في طرف وكونه وسطا طردي ، وفي القصاص منه إنما ابتدئ القطع فيه من طرف . ا هـ . فهذا صريح في تأتي القصاص في العمق ، وقد سلم عج تنظير تت ، وكأنه لم يستحضر كلام ابن عرفة ، والله أعلم .

( وإلا ) أي وإن لم يتعمد الطبيب الزيادة بأن زاد خطأ ( فالعقل ) أي دية الزائد إن لم تبلغ ثلث الدية للجاني أو المجني عليه في مال الطبيب ، وإن بلغته فعلى عاقلته . ابن عرفة في الموازية والمجموعة لابن القاسم رحمه الله تعالى ما زاد الطبيب في القود خطأ فعلى عاقلته . قلت مفهومه أنه إن زاد عمدا فالقصاص وهو واضح من إطلاقات الروايات في النوادر ، ومن الواضحة إن تعمد الطبيب والخاتن والمعلم قتلا أو قطعا أو جرحا بغير حق ولا شبهة فعليه القود .

وشبه في عدم القصاص وترتب العقل فقال ( كذي ) أي صاحب ( يد شلاء ) بفتح الشين المعجمة وشد اللام ممدودا ( عدمت ) بفتح فكسر ، أي فقدت ( النفع ) فلا يقتص منها ( ب ) سبب قطع صاحبها اليد ( صحيحة ) من الشلل عمدا عدوانا ، ويلزم القاطع عقل الصحيحة في ماله . تت ظاهره ولو رضي المجني عليه بقطع الشلاء وهو [ ص: 45 ] كذلك في الجواهر ومفهوم عدمت النفع أنها لو كان بها نفع لقطعت بالصحيحة إن رضي المجني عليه . طفي نحوه للشارح وهو صواب . ابن عرفة ابن رشد في سماع القرينين إن كان جل منفعة عين الجاني أو يده باقيا فالمجني عليه بالخيار في القود والعقل اتفاقا وإن ذهب كل منفعتها أو جلها ففي تخييره مطلقا ، وإن بقيت منفعة ولو قلت ثالثها ما لم يذهب جل منفعتها . ا هـ . وظاهر كلام المصنف الجري على الثاني ( وبالعكس ) أي لا تقطع الصحيحة بالشلاء وعلى القاطع الأرش في ماله باجتهاد الحاكم

( ولا ) يقتص ( من عين أعمى ) بفقئه عينا بصيرة عمدا عدوانا وعليه دية البصيرة في ماله ولا من عين بصيرة بعين عمياء كذلك ، وفيها الأرش بالاجتهاد في مال الجاني ( و ) لا يقتص من ( لسان ) إنسان ( أبكم ) بقطع لسان ناطق عمدا عدوانا ، وعلى الجاني دية الصحيح في ماله ولا من لسان ناطق بقطع لسان أبكم ، وعلى الجاني أرش الأبكم بالاجتهاد . ابن عرفة في دياتها إن قطع أشل اليد اليمنى يمنى رجل فله العقل ولا قود له . الشيخ يحيى بن يحيى بن القاسم إن كان الجاني أشل اليد خير مقطوع اليد السليمة في القود منها والعقل ، وفي الموازية إنما له العقل ومثله في الأسدية . محمد وقاله مالك وابن القاسم وأشهب وابن عبدوس رضي الله تعالى عنهم ولأشهب في الكتابين إن كان شللا يابسا أو كثيرا أذهب أكثر منافع يده . وأما الخفيف فله أن يقتص معه ، وكذا عين فاقئ عين سليمة إن كانت ناقصة النظر وهو ينظر بها أو بها بياض فله القود ، وإن ذهب أكثرها فلا قود .

وفي الموازية والمجموعة أصحاب مالك عنه رضي الله تعالى عنهم المجمع عليه عندهم أنه ليس في العين القائمة التي ذهب بصرها إن فقئت ، واليد الشلاء تقطع إلا الاجتهاد ، وكذا الأصابع إذا تم شللها ثم قطعت ، وكذا ذكر الخصي ولسان الأبكم الأخرس .

الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ذكر الخصي عسيب قطعت حشفته ، وفي جراحاتها في شلل الأصابع ديتها كاملة ، ثم إن قطعت بعد ذلك عمدا أو خطأ ففيها حكومة لا قود [ ص: 46 ] في عمده القاضي . ابن القصار في اليد الشلاء حكومة ، وبه قال أهل العلم كافة




الخدمات العلمية