ذكر ببغداذ فتنة الحنابلة
وفيها عظم أمر الحنابلة ، وقويت شوكتهم ، وصاروا يكسبون من دور القواد والعامة ، وإن وجدوا نبيذا أراقوه ، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء ، واعترضوا في البيع والشراء ، ومشى الرجال مع النساء والصبيان ، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو ، فأخبرهم ، وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة ، وشهدوا عليه بالفاحشة ، فأرهجوا بغداذ .
فركب بدر الخرشني ، وهو صاحب الشرطة ، عاشر جمادى الآخرة ونادى في جانبي بغداذ ، في أصحاب أبي محمد البربهاري الحنابلة ، ألا يجتمع منهم اثنان ولا يتناظروا في مذهبهم ، ولا يصلي منهم إمام إلا إذا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح والعشاءين ، فلم يفد فيهم ، وزاد شرهم وفتنتهم ، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون المساجد ، وكانوا إذا مر بهم شافعي المذهب أغروا به العميان ، فيضربونه بعصيهم ، حتى يكاد يموت .
فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم ، ويوبخهم باعتقاد التشبيه وغيره ، فمنه تارة أنكم تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب [ ص: 41 ] العالمين ، وهيئتكم الرذلة على هيئته ، وتذكرون الكف والأصابع والرجلين والنعلين المذهبين ، والشعر القطط ، والصعود إلى السماء ، والنزول إلى الدنيا ، تبارك الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ، ثم طعنكم على خيار الأئمة ، ونسبتكم شيعة آل محمد - صلى الله عليه وسلم - ( إلى الكفر والضلال ، ثم استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن ، وإنكاركم زيارة قبور الأئمة ، وتشنيعكم على زوارها بالابتداع ) ، وأنتم مع ذلك تجتمعون على زيارة قبر رجل من العوام ليس بذي شرف ولا نسب ، ( ولا سبب ) برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمرون بزيارته ، وتدعون له معجزات الأنبياء ، وكرامات الأولياء ، فلعن الله شيطانا زين لكم هذه المنكرات ، وما أغواه .
وأمير المؤمنين يقسم بالله قسما جهدا إليه يلزمه الوفاء به لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم ومعوج طريقتكم ليوسعنكم ضربا وتشريدا ، وقتلا وتبديدا ، وليستعملن السيف في رقابكم ، والنار في منازلكم ومحالكم .