الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الحرب بين عسكر العزيز وابن جراح وعزل قسام عن دمشق

في هذه السنة سيرت العساكر من مصر لقتال المفرج بن جراح .

وسبب ذلك أن ابن جراح عظم شأنه بأرض فلسطين ، وكثر جمعه ، وقويت شوكته ، وبالغ هو في العيث والفساد ، وتخريب البلاد ، فجهز العزيز بالله العساكر وسيرها ، وجعل عليها القائد يلتكين التركي ، فسار إلى الرملة ، واجتمع إليه من العرب ، من قيس وغيرها ، جمع كثير ، وكان مع ابن جراح جمع يرمون بالنشاب ، ويقاتلون قتال الترك ، فالتقوا ونشبت الحرب بينهما ، وجعل يلتكين كمينا ، فخرج على عسكر ابن جراح ، من وراء ظهورهم ، عند اشتداد الحرب ، فانهزموا وأخذتهم سيوف المصريين ، ومضى ابن جراح منهزما إلى أنطاكية ، فاستجار بصاحبها فأجاره ، وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية في عساكر عظيمة يريد بلاد الإسلام ، فخاف ابن جراح ، وكاتب بكجور بحمص والتجأ إليه .

وأما عسكر مصر فإنهم نازلوا دمشق ، مخادعين لقسام ، لم يظهروا له إلا أنهم جاءوا لإصلاح البلد ، وكف الأيدي المتطرقة ( إلى الأذى ) وكان القائد أبو محمود قد مات سنة سبعين [ وثلاثمائة ] وهو والي البلد ، ولا حكم له ، وإنما الحكم لقسام ، فلما مات قام بعده في الولاية جيش بن الصمصامة ، وهو ابن أخت أبي محمود ، [ ص: 378 ] فخرج إلى يلتكين ، وهو يظن أنه يريد إصلاح البلد ، فأمره أن يخرج هو ومن معه وينزلوا بظاهر البلد ، ففعلوا . وحذر قسام ، وأمر من معه بمباشرة الحرب ، فقاتلوا دفعات عدة فقوي عسكر يلتكين ، ودخلوا أطراف البلد ، وملكوا الشاغور ، وأحرقوا ونهبوا ، فاجتمع مشايخ البلد عند قسام ، وكلموه في أن يخرجوا إلى يلتكين ، ويأخذوا أمانا لهم وله ، فانخذل ( وذل ، وخضع بعد تجبره وتكبره وقال : افعلوا ما شئتم .

وعاد أصحاب قسام ) إليه ، فوجدوه خائفا ، ملقيا بيده ، فأخذ كل لنفسه .

وخرج شيوخ البلد إلى يلتكين ، فطلبوا منه الأمان لهم ولقسام ، فأجابهم إليه وقال : أريد [ أن ] أتسلم البلد اليوم فقالوا : افعل ما تؤمر ! فأرسل واليا يقال ( له ابن ) خطلخ ، ومعه خيل ورجل .

وكان مبدأ هذه الحرب والحصر في المحرم سنة سبعين و [ ثلاثمائة ] لعشر بقين منه ، والدخول إلى البلد لثلاث بقين منه ، ولم يعرض لقسام ولا لأحد من أصحابه ، وأقام قسام في البلد يومين ثم استتر ، فأخذ كل ما في داره وما حولها من دور أصحابه وغيرهم ، ثم خرج إلى الخيام ، فقصد حاجب يلتكين وعرفه نفسه ، فأخذه وحمله إلى يلتكين ، فحمله يلتكين إلى مصر ، فأطلقه العزيز ، واستراح الناس من تحكمه عليهم ، وتغلبه بمن تبعه من الأحداث ، من أهل العيث والفساد .

التالي السابق


الخدمات العلمية