الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قتل ماكان بن كالي ، واستيلاء أبي علي بن محتاج على الري

قد ذكرنا مسير أبي علي بن محمد بن المظفر بن محتاج إلى جرجان ، وإخراج ماكان عنها ، فلما سار عنها ماكان ، قصد طبرستان وأقام بها ، وأقام أبو علي بجرجان يصلح أمرها ، ثم استخلف عليها إبراهيم بن سيمجور الدواتي ، وسار نحو الري في المحرم من هذه السنة ، فوصلها في ربيع الأول ، وبها وشمكير بن زيار أخو مرداويج .

وكان عماد الدولة وركن الدولة ابنا بويه يكاتبان أبا علي ، ويحثانه على قصد وشمكير ، ويعدانه المساعدة ، وكان قصدهما أن تؤخذ الري من وشمكير ، فإذا أخذها أبو علي ، لا يمكنه المقام بها لسعة ولايته بخراسان ، فيغلبان عليها .

وبلغ أمر اتفاقهم إلى وشمكير . وكاتب ماكان بن كالي يستخدمه ويعرفه الحال ، فسار ماكان بن كالي من طبرستان إلى الري ، وسار أبو علي وأتاه عسكر ركن الدولة بن بويه ، فاجتمعوا معه بإسحاقاباذ ، والتقوا هم ووشمكير ، ووقف ماكان بن كالي في القلب وباشر الحرب بنفسه ، وعبأ أبو علي أصحابه كراديس ، وأمر من بإزاء القلب أن يلحوا عليهم في القتال ، ثم يتطاردوا لهم ويستجروهم ، ثم وصى من بإزاء الميمنة والميسرة أن يناوشوهم مناوشة بمقدار ما يشغلونهم عن مساعدة من في القلب ، ولا يناجزوهم ، ففعلوا ذلك .

وألح أصحابه على قلب وشمكير بالحرب ، ثم تطاردوا لهم ، فطمع فيهم ماكان ومن معه ، فتبعوهم وفارقوا مواقفهم ، فحينئذ أمر أبو علي الكراديس التي بإزاء الميمنة والميسرة أن يتقدم بعضهم ، ويأتي من في قلب وشمكير من ورائهم ، ففعلوا ذلك ، فلما رأى أبو علي أصحابه قد أقبلوا من وراء ماكان ومن معه من أصحابه ، أمر المتطاردين [ ص: 93 ] بالعود والحملة على ماكان وأصحابه ، وكانت نفوسهم قد قويت بأصحابهم ، فرجعوا وحملوا على أولئك ، وأخذهم السيف من بين أيديهم ومن خلفهم ، فولوا منهزمين .

فلما رأى ماكان ذلك ، ترجل وأبلى بلاء حسنا ، وظهرت منه شجاعة لم ير الناس مثلها ، فأتاه سهم غرب ، فوقع في جبينه ، فنفذ في الخوذة والرأس حتى طلع من قفاه وسقط ميتا ، وهرب وشمكير ومن سلم معه إلى طبرستان ، فأقام بها ، واستولى أبو علي على الري ، وأنفذ رأس ماكان إلى بخارى والسهم فيه ، ولم يحمل إلى بغداذ حتى قتل بجكم ; لأن بجكم كان من أصحابه ، وجلس للعزاء لما قتل ، فلما قتل بجكم ، حمل الرأس من بخارى إلى بغداذ والسهم فيه وفي الخوذة ، وأنفذ أبو علي الأسرى إلى بخارى أيضا ، وكانوا بها حتى دخل وشمكير في طاعة آل سامان ، وسار إلى خراسان فاستوهبهم ، فأطلقوا له على ما نذكره سنة ثلاثين [ وثلاثمائة ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية