الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عصيان أهل سجستان

وفي السنة عصى أهل سجستان على أميرهم خلف بن أحمد ، وكان خلف هذا هو صاحب سجستان حينئذ ، وكان عالما محبا لأهل العلم ، فاتفق أنه حج سنة ثلاث وخمسين ثلاثمائة ، واستخلف على أعماله إنسانا من أصحابه يسمى طاهر بن الحسين ، فطمع في الملك ، وعصى على خلف لما عاد من الحج ، فسار خلف إلى بخارى ، واستنصر بالأمير منصور بن نوح ، وسأله معونته ، ورده إلى ملكه ، فأنجده وجهز معه العساكر ، فسار بهم نحو سجستان ، فلما أحس بهم طاهر ، فارق مدينة خلف وتوجه نحو اسفرار ، وعاد خلف إلى قراره وملكه وفرق العساكر .

فلما علم طاهر بذلك ، عاد إليه ، وغلب على سجستان ، وفارقها خلف ، وعاد إلى حضرة الأمير منصور أيضا ببخارى ، فأكرمه وأحسن إليه ، وأنجده بالعساكر الكثيرة ، ورده [ ص: 257 ] إلى سجستان ، فوافق وصوله موت طاهر ، وانتصاب ابنه الحسين مكانه ، فحاصره خلف وضايقه ، وكثر بينهم القتلى ، واستظهر خلف عليه ، فلما رأى ذلك كتب إلى بخارى يعتذر ويتنصل ، ويظهر الطاعة ، ويسأل الإقالة ، فأجابه الأمير منصور إلى ما طلبه ، وكتب في تمكينه من المسير إليه فسار من سجستان إلى بخارى ، فأحسن الأمير منصور إليه .

واستقر خلف بن أحمد بسجستان ، ودامت أيامه فيها ، وكثرت أمواله ورجاله ، فقطع ما كان يحمله إلى بخارى من الخلع والخدم والأموال التي استقرت القاعدة عليها ، فجهزت العساكر إليه ، وجعل مقدمها الحسن بن طاهر بن الحسين المذكور ، فساروا إلى سجستان ، وحصروا خلف بن أحمد بحصن أرك ، وهو من أمنع الحصون وأعلاها محلا وأعمقها خندقا ، فدام الحصار عليه سبع سنين .

وكان خلف يقاتلهم بأنواع السلاح ، ويعمل بهم أنواع الحيل ، حتى إنه كان يأمرهم بصيد الحيات ويجعلها في جراب ويقذفها في المنجنيق إليهم ، فكانوا ينتقلون لذلك من مكان إلى مكان .

فلما طال ذلك الحصار ، وفنيت الأموال والآلات ، كتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور الذي كان أمير جيوش خراسان ، وكان حينئذ قد عزل عنها على ما سنذكره ، يأمره بالمسير إلى خلف ومحاصرته ، وكان بقوهستان ، فسار منها إلى سجستان ، وحصر خلفا ، وكان بينهما مودة ، فأرسل إليه أبو الحسن يشير عليه بالنزول عن حصن أرك وتسليمه إلى الحسين بن طاهر ، ليصير لمن قد حصره من العساكر طريق وحجة يعودون بها إلى بخارى ، فإذا تفرقت العساكر عاود هو محاربة الحسين ( وبكر بن الحسين مفردا من ) العساكر ، فقبل خلف مشورته ، وفارق حصن أرك إلى حصن الطارق ، ودخل أبو الحسن السيمجوري إلى أرك ، وأقام به الخطبة للأمير نوح ، وانصرف عنه ، وقرر الحسين بن طاهر فيه .

وسنورد ما يتجدد فيما بعد ، وكان هذا أول وهن دخل على دولة السامانية ، فطمع أصحاب الأطراف فيهم لسوء طاعة أصحابهم لهم ، وقد كان ينبغي أن نورد كل حادث من [ ص: 258 ] هذه الحوادث في سنته ، لكننا جمعناه لقلته ، فإنه كان ينسى أوله لبعد ما بينه وبين آخره .

التالي السابق


الخدمات العلمية